[align=center]
حين يتأمل المرء في الإسلام يجد أن كل تشريعاته ليست تعبدية فحسب , وإنما لها فوائد عائدة على المجتمع بما يفيده , وبما يؤازر تلاحمه , ولست بصدد الحصر ولا التمثيل , وإنما ارتأيت أن أكتفي بالإشارة , فلم يأمر في شيء إلا كان له مصالح جمة على المسلمين , ولم ينهَ عن شيء إلا فيه مثل سابقه .
الصلاة عمود الدين , وهي الركن الثاني بعد الشهادتين , ومن حيث أدائها جماعة في المسجد فيها قول حسب رأي الأئمة الأربعة , ولا يخفى على أحد أن فائدة الصلاة جماعة مثل تلك الفائدة من الحج حين يتواصل الناس ويتعارفون , ويأنس بعضهم ببعض .
إنني أشاهد اليوم أن الصلاة جماعة في المساجد لم تأمر الناس بحب التواصل , ولم تعضدهم في تفعيل هذه الفائدة , وإنما لا يكاد أن يسلم الإمام عن يساره حتى يقوم الناس عن صفهم فيغادرون المسجد , فهم لم ينتظروا استقبال الإمام لهم بعد تسليمه , وإنما عاجلوه بالانصراف عنه وعن مسجدهم .
إننا اليوم نشاهد الجار قلما يعرف جاره , وهما يصليان في مسجد واحد , وقلما نجد إمام المسجد يحرص على أهمية هذا التواصل , بل نجد الإمام لا يأتي إلى المسجد إلا مع الإقامة , فلا يتحدث إلى أحد من مأموميه , ولا يسأل عن أحوالهم , ولا يُطلع جماعته عن أحوال بعضهم التي تبحث عن حل أو مساندة .
لقد أصبحت الصلاة جماعة تختلف عن الصلوات في قديم العهد , فهي صلاة يتم فيها اللقاء بأجواء جافة , وبأنفس عابسة , فكأن حظ المصلين القيام والقعود فحسب .
لو كان الإسلام يعرف أن المسلمين في صلاتهم سيغيبون فوائدها كما اليوم ؛ لما جعل الصلاة في المساجد , ولأمرهم بأن يصلوا في بيوتهم , على أن مما يؤسف عليه اليوم عدم انتباه العلماء إلى غياب هذه الفوائد , و إلا لمنعوا الصلاة جماعة من باب سد الذريعة .[/align]