[justify]في ليلة باردة من هذا الشتاء الجاف هاتفني صديقي ادوارد ليخبرني انه راغب بإحتساء فنجان قهوة، مشترطاً أن يكون على شارع العليا العام وكان يسألني إن كنت أرغب أن أحتسي فنجاناً معه . من عادتي أن لا أرد دعوة لقهوة في ليلة باردة، فـ للقهوة فلسفة وجنون مع ليالي الشتاء، وصباحات الشتاء .
عندما جئت إلى المقهى المنشود وكان إدوارد يحتسي فنجانه أخبرني قبل أن أجلس أن هذا الشارع من أجمل شوارع العالم!! للحظه خلته يتهكم، ولكنني أعرف إدوارد جيداً حين يريد أن يتهكم . إلا أنني لم أسأله السؤال المباشر (لماذا)؟ بل سألته كيف للشتاء أن يجعل من هذا الشارع جميلاً ؟ لم يخبرني لماذا لكنه قال (أنها القوانين ياصديقي)، فلم أفهم مايرمي إليه، فسألته مابال القوانين ياصديقي ؟
يقول إدوارد بعد أن أجهز على فنجانه الأول وأحضر فنجاناً آخر، قال: لقد أنقلبت المعادلة!! البشر وضعوا القوانين لتخدمهم إلا أنهم من حيث لايشعرون أصبحوا هم من يخدمون القوانين، لقد باتت القوانين تتحكم بكل مفاصل حياتنا وأصبحنا نجيش الآف البشر فقط ليخدموا القوانين، القوانين ياصديقي لم تعد تطبق بل أصبحت تُخدم، وبقدر ما يخلص البشري في تطبيقها تكالب الحياة بقسوتها علينا .
سألته كيف لك أن تفرق بين من يطبق القانون وبين من يخدم القانون؟ فمن يطلب منك أن تربط حزام الأمان هو يطبق القانون ولايخدم القانون، بل هذا القانون من يخدمك، ففي لحظة الحاجة لهذا الحزام قد يكون أبقى على حياتك أو على الأقل عرضك لأقل الخسائر الممكنه، ومن يمنعك من السفر لعدم حملك لجواز سفرك هو يطبق القانون وليس يخدم القانون . فأمسك إدوارد بفنجان قهوته الذي طبع عليه شعار المقهى العالمي وقال: هذا المقهى منتشر في أوروبا كلها والقهوة التي بداخله حبوبها من أمريكا اللاتينية وتم تحميصها في هولندا والماء المستخدم هو ماء العربية السعودية والماكينة التي صنعتها أمريكية ومن حضرها هو ذلك الأسيوي، فلا تخبرني أن ذلك الأسيوي جاء إلى بلدكم قبل أن يملىء ويوقع عشرات المستندات، ولا تخبرني أن حبوب القهوة وصلت إلى هولندا ثم في طريقها إلى هنا بدون الآف الوثائق والشهادات والدولارات أيضاً ولاتخبرني أن المحمصة الهولندية كانت ستشرع أبوابها قبل أن تدفع سبع خانات من اليورو، حتى مصنع الصين قبل أن يصنع هذا الفنجان قد دفع بـ مئات الأوراق والآف الدولارات كي يقيم مصنعه .
ثم يسألني إدوارد: هل رأيت كم من الأشياء حدثت كي تشرب هذه القهوة بهذا الفنجان؟؟ لقد أصبحنا عبيداً للقوانين ياصديقي ... أنتهى
ولست أدري إن كان إدورد محقاً بما يقول أو أنه كبعض الأوروبيين الذين سئموا حياة الأنظمة والقوانين وباتوا يعشقون دول العالم الثالث .
دمتم بخير،[/justify]