الاخ شديد الملاحظة
اشكرك اولا على اثراء النقاش , والحقيقة انني اسعد كثيرا ان اجد المخالف , لا من اجل وجود الخلاف كما يتوهمه البعض , ولكن من اجل ان اصل الى ادق ما يعتقده , خاصة في مسألة واقعة كالتي تطرحها اخي الكريم , والتي غالبا لا تظهر دقائقها الا في النقاش .
مازلت انتظر اجابتك لمطلبي السابق
اما ما يتعلق بموضوع تضييق المفتي على المستفتي فالذي يبدو لي انها مسألة ظنية نسبية , يختلف التصوير لها من شخص لاخر , وكونها قد تحمل تضييقا على المستفتي فأظنك لواطلعت عليها بصورة اكبر لتبين لك انها تحمل صورة اصلاحية اكبر من كونه صورة مضيقة على الناس , ولعل اوضح مسألة تظهر لك هذه الحقيقة مسألة سب الهة الكفار وان مثل هذا الامور قد يتوسع فيه الناس بصورة تسيء الى الاسلام نفسه , مع انها في نفسها مسألة مشروعة , ولو توسعت اكثر لتبين لك ان اهل العلم المتحدثين عن مسألة سد الذرائع لا يمكن ان يغفلوا الحديث عن مسألة التحايل في البيوع والمعاملات بل والعبادات وغيرها , هذا اذا تبين لنا ان هناك الكثير من الناس من يجد لنفسه الحيلة في الاباحة والسرقة وغير ذلك , ولو رجعت الى صحيح البخاري كتاب الحيل لظهر لك ضرورة اعمال هذه القاعدة , وان احتاجت الى نوع ضبط في بعض جوانبها .
اما ما اشكل عليك من التفريق بين رؤية الهلالين في رمضان والحجة فالذي يبدو لي انك تتفق معي ان شعائر الحج لا يمكن ان تتم الا بصورتها المعهودة , في مكان معين وبهيئة معينة , وهي شعيرة تصور الدولة المسلمة بصورة اكبر , والتي تقوم على الارض والامام والشوكة والجماعة والتي هي شروط اقامة الدولة , ( هذا سبب ذكري لمثال رؤية هلال الحج لاحد الافراد دون الجماعة , وكونه مطابقا لنفي الخلاف بين الناس في الحج ) , بخلاف هلال رمضان , مع كون شهر الصوم شهر عبادة , من الممكن ان يتم في أي مكان وبغير الحاجة الى الجماعة , يحددها اكثر صورة قضاء الفائت منه .
ثم ما ذكرته من مسألة مرونة العالم فأيضا يحتاج ايضا الى ضبط ما قصدت , وهل هذه المرونة قابلة للتوسع في كل مسألة وقضية ؟ فكما تعلم .. فالخلاف بين اهل العلم في الفقه الاسلامي ليس وليد اليوم , ونوازل العصر سبق لعصور فائة نوازل بقيمة ما ذكرت , فعلى سبيل المثل مسألة الطلاق بالثلاث , التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة , حتى جاء عمر كما في مسلم فامضاها ثلاثا , فهل من الممكن ان تعمل هذه المطالبة لكي يكون عمر رضي الله عنه اكثر مرونة مع المخالفين , مع انهم يستندون الى فعل النبي عليه الصلاة والسلام , ولو اردت التوضيح لقيل لك ان مثل مسألة امضاء الثلاث ثلاثا راجعة الى نظر الوالي حسب ما يراه من تعامل الناس في هذا الموضوع , مثله مثل الفدية في ترك الواجب في الحج واختلاف اجراء الحكم فيه من شخص متساهل الى اخر نادم متراجع .
فكون عمر امضى الثلاث ثلاثا هل يعني هذا عدم وجود مجتهدين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , ام ان عمر كان من التشديد بحيث اغلق رأي غيره من اهل الاجتهاد مع كونه المحدث من امة محمد عليه الصلاة والسلام , ام ان صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام كانوا يرون ان مثل هذه القضايا تتعلق بمصالح عامة اكثر من كونها مصالح فردية قد يرى المخالف فيها اغضاءا له , او لاجتهاده , ام انهم بصورة اكثر دقة كانت رؤيتهم للمصالح العامة اكبر من رؤيتهم لمنعهم من ابداء بعض اجتهاداتهم .؟
هذا المثال او غيره يبين لك ان ما يتعلق بنظر الناس حول الخلافات الفقهية والتوسيع فيه او التضييق راجع الى نظر الوالي حسب ما يراه من مصلحة قد يرى البعض انها ضيق فيها على شخص ووسّعت لآخر , فالمقصود ان الناس لا يمكن ان يتركوا في ( نوازل عامة ) يتصرفون من سوى انفسهم الا ان يحتاجوا الى من ينظّر لهم .
مثل ذلك مثل بعض قضايا الاسلام التي يرى البعض ان فيه نوع تضييق على النفس او على البعض , كما هو واقع من بعض الممارسين لبرنامج توسيع حرية الناس واقحامهم فيما لا يفقهون . وكونهم قد يحددون ( المصطلح العرفي ) هذا لا يعني ان لهم ان يتصرفوا بقضايا الامة المصيرية والتي تبعد عن كونها قضايا عرفية في مسائل مضيقة حسم الشرع مادتها قبل قرون , مع العلم ان هؤلاء العلماء الذين اقتحموا مثل هذه القضايا العرفية والتي ترى ان للناس تحديدها هم ايضا ليسوا معزل عن فهم هذا العرف وتوضيحه اكثر كونهم من هذا المجتمع المقصود , وكون الالة التي تحدد التعريف وتطابقة مع اصول الشريعة يمتلكها هؤلاء العلماء اكثر من غيرهم .
فإذا تقرر لديك ماذكرته لك من قضايا العصر التي مرت بزمن مر او من بعده ظهر لك انه ليس من السليم ان اعمل خلافا لا جدوا منه سوى التذكير بوجوده لا اكثر , مع ان مثل هذا الخلاف لم يختفى عنه زمن من الازمان .
اما موضوع الوصاية او عدم الوصاياه , فهذه اراها مسائل لا حاصل من ترديدها اذا علمنا ان العالم لا يتكلم من قبيل هذا المنطلق الذي ذكرت , وانما ليقينه بقناعة الناس بما يقول او يستدل , ومن وجه اخر بما يحرم او يمنع .
وكلامي هذا لا يعني ان يؤخذ الناس على رأي واحد وطريقة واحد فيما يتعلق بالامور الخاصة , اذ المقصود بهذا الصورة الجماعية للناس , ولو اردت ان اضرب لك مثلا اخر لذكرتك بطريقة اسرتك في البيت حينما يختلفون في الامور المصيرية للاسرة او الامور الخاصة التي هي لا تخص الاسرة كلها , ولو دققت في ذلك لظهر لك صحة ان ينحى الناس طريقة واحدة وان ظهر فيه هذا المنحى نوع تعدي على البعض في بعض الوجوه .
في الاخير فأنا لم اقل انك تنتهج منهجا معينا سوى تقديم النص على العقل , وكوني المح الى قضية الليبرالية او الحرية الشخصية فلانني شممت اخي الفاضل من بين ما سطرته رائحة ذلك .
اخي الكريم اشكرك مرة اخرى على هذا الاثراء , وانا معك في النقاش حتى نستفيد جميعا وحتى ننتهي الى فضيلة تعم القارئ والمقصود .
دمت بخير