
بريدة : موسى العجلان
لا يزال بعض كبار السن من أصحاب المحال التجارية في مدينة بريدة صامدين أمام رياح التغيير العاتية وإعصار الحداثة الذي جرف الكثير من المظاهر التراثية القديمة في طرائق البيع وصنوف المُباع في تلك المدينة , حيث تجدهم شامخين معتزين بحرفتهم ومهنتهم التي لازمتهم لعقود من الزمن , وهم - ومع ذلك - لا يجهلون حيثيات ومظاهر البيع والشراء الحديثة, بل على العكس, فالحذاقة والمعرفة الدقيقة بحيثيات البيع والشراء الحديث تستشعرها في إيماءات وجوههم.
تتراءى لك وأنت تجوب بعض أسواق مدينة بريدة القديمة وفي القلب منها وخصوصاً الجردة أو المجلس أو الوسعة أو قبة رشيد أو سوق التجار, تجاعيد الزمن وأحافير الدهر قد رسمت طريقها في وجوه بعض الباعة والتجار، لتستذكر من خلالهم تلك الحقبة الزمنية التي خلقت تلك الصورة الزاهية والعتيقة والمُتخمة بالأمانة والمروءة والشهامة, حينما كانت منطقة سوق بريدة تُغذي وتزود مدينة بريدة ومنطقة القصيم بكاملها بالحاجيات والمؤن الغذائية والأساسية من بشاور وتمن من أنواع الأرز الفاخر, وسكر, وشاهي, وصقعي، وسمن، وهيل, وقهوة, وقطايف, وبشوت, وزل, ومحاميس دلال, ومعدن ...، مجلوبة على ظهور الجمال من بلاد العراق والشام والأردن ومصر, لترسم لك حداءات ونداءات التجار والباعة ( يا من شراء الذهب, يا من شراء الجنيه الإسترليني , وش بيع " بُه " الدينار , وش بيعن " بُه " البعارين بالإحساء ) .
حينما يستذكر الشيخ عبد الله بن عبد الكريم الحسني المكنى بأبي محمد تلك النداءات يبث زفراته حنيناً على أيام قد خلت، كان فيها شاباً يافعاً قد لحظ كيف تتمثل المروءة والأمانة والصدق على أرض الواقع بلا تكلف ولا قيود , ويستذكر أبو محمد تلك الحقبة الزمنية التي كان فيها رجال منطقته يجوبون بلاد العرب شمالاً وجنوباً لتصبح ( جردة بريدة ) نقطة التقاء ومنطقة عمليات لتطوف بك إحدى البورصات العالمية التي ترسم مقدرات ومدخرات البلد الاقتصادية، وترسم مؤشرها ارتفاعاً وهبوطاً .
أبو محمد الذي لا يزال شامخاً بتاريخه وصموده في وجه أعتى مظاهر التجارة والحضارة والتقدم , والمملكة تنضم لمنظمة التجارة العالمية , ليبرهن للعالم أجمع ويثبت بلا تنظير ولا تكلف, أن الإرادة والثبات هما أصل النجاح .