تشهد الساحة الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي تغيرات جديدة ومتسارعة، سواء من ناحية تقليص الانتاج النفطي الذي بدأته بعض دول الخليج ومنها السعودية، أو تعديل أسعار صرف العملة والذي بدأته أخيراً دولة الكويت التي عدلت سعر صرف الدينار أمام الدولار ليصبح سعر الصرف بعد الزيادة 289.14فلساً لدولار بدلاً من 292فلساً قبل الزيادة ورفع سعر فائدة التدخل نحو ربع نقطة مئوية
وحدد البنك المركزي الكويتي مقدار رفع سعر صرف الدينار مقابل الدولار على النحو المشار إليه يستنفد هامش الحركة المسموح به حاليا والبالغ 3.5في المائة صعودا أو هبوطا حول سعر التعادل لصرف الدينار مقابل الدولار الأميركي البالغ 299.63فلسا للدولار.
وتأتي خطوة الكويت التي ترتبط عملتها بسلة عملات مخالفة لدول الخليج الأخرى التي ربطت عملاتها بالدولار.
وينتقد الاقتصاديون تجاهل دول مجلس التعاون لعملية فك ارتباط عملاتها بالدولار الذي وفقاً للسياسة الاقتصادية الأمريكية تصبح المستفيد الوحيد من عملية تدني سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية، حيث إن ذلك يعزز من قدرتها التنافسية في الصناعة والخدمات.
وبحسب الخطة الأمريكية فإن سلعها ستكون أكثر قبولاً لدى المستهلكين في جميع أنحاء العالم عندما تقدم لهم بالأرخص الأثمان مع احتفاظها بعنصر الجودة العالمية، وهي بذلك تنافس اليورو والين الياباني.
ونجحت هذه السياسية بعض الشيء في تحقيق أعلى معدل من المبيعات في شتى السلع ذات المنشأ الأمريكي فيما وصلت السلع الأوروبية واليابانية لأسعار فلكية جعلها الخيار الأخير للمستهلك في ظل وجود سلع أمريكية.
ويرى الاقتصاديون إن الكويت بربط عملتها بسلة عملاتها جعلها في مأمن من ربط اقتصادها بمعدلات التضخم وسعر الفائدة الأمريكي الذي أصبح يهدد اقتصاديات المنطقة على حساب اقتصاده.
من جهته قال المحلل المالي محمد السويد "أعتقد أن تقليص الانتاج سيكون له دور في دعم أسعار النفط للتماسك على حدود ال 45دولار خلال الفترة القادمة فما كان يدفع النفط للارتفاع هو ازمة إيران النووية، مؤكداً انه في الوقت الحالي الأزمة هدأت قليلا فمن غير المتوقع أن يواصل ارتفاعه مرة أخرى إلى حدود 80دولاراً مالم تشتعل ازمة ايران مرة أخرى".
وأضاف "أما بالنسبة للتهديدات الإرهابية التي تتعرض لها حقول النفط في السعودية ليس لها تأثير كبير بحجم الأزمة الإيرانية فسرعان ما ستهدأ الأسواق بعد أن تتوقف هذه التهديدات".
وعن ما تقوم به الكويت من تعديل على سياستها النقدية قال السويد يعتبر القرار منفرداً عن السياسة النقدية الخليجية بحسب اعتقادي فهي دائما ما تتصرف بشكل منفرد خلال السنوات الماضية وذلك لكونها تعتمد في تقييم عملتها على سلة عملات أجنبية بجانب الدولار.
وعن نفي مؤسسة النقد السعودية (ساما) بعدم نيتها تعديل أسعار صرف الريال أمام الدولار هل هذا النفي من أجل الحد من المضاربه أم أنه يعني فعلياً عدم تعديل أسعار الصرف، أوضح فيما يبدو أنه تأكيد فعلي على استمرار سياستها النقدية بدون تعديل فلا اعتقد بان لدى مؤسسة النقد أي نية او حتى خطط بديلة سياسة تثبيت الريال بالدولار، مشيراً إلى انه ما يخرج إلينا بخصوص تعديل سعر الصرف يعتبر إشاعات الغرض منها المضاربة فقط لا أكثر.
ولم يستبعد بأن تكون هذه الإشاعات مفتعلة فردة الفعل التي تتبعها (ساما) في التدخل لتثبيت سعر الصرف دائما متأخرة وغير واضحة.
وعن ما إذا إن العملة الخليجية دخلت في مأزق أمام تخاذل الدولار، وإن مجلس التعاون الخليجي مقصر في جانب تعديل أسعار الصرف ودراسته بشكل يحقق مكاسب لدول النفطية بدلاً من مجاملة السياسة الأمريكية على حساب اقتصاديات المنطقة قال السويد "لا اعتقد أن لدى مجلس التعاون أي حيلة بخصوص سياستها النقدية فمازال النفط يسعر بالدولار الأمريكي ولا يوجد حتى الآن أي منتج ذي ميزة نسبية بخلاف النفط لدى دول مجلس التعاون، مشيراً إلى إن المسألة في الأصل تتعدى مجاملة السياسة الأمريكية وهذا مزعج جدا فحتى الآن لم يستطع معظم القائمين على مؤسسات النقد الخليجية من الاستفادة من سعر الفائدة على عملاتها كاداة للتعامل مع مستويات التضخم التي تعاني منها اقتصاديات دول الخليج".
ولفت إلى أن أكبر تحد تواجهه العملة الخليجية الموحدة هي القوانين التجارية لدول الخليج نفسها فبدون تعديل هذه القوانين وتوحيدها فلن يكون هناك أي فائدة للعملة الموحدة، مؤكداً أن طبيعة الحاجة لعملة موحدة هو انعكاس للوحدة التجارية لدول الخليج قبل أي شيء آخر، كما ترى أن هناك خللا في الاتفاق التجاري الخليجي يمكن ملاحظته بوضوح عن طريق الاتفاقيات الفردية التي تبنتها بعض دول الخليج بمعزل عن الأخرى.
وبيّن أن مشروع العملة الموحدة في الوقت الحالي يعتبر غير ناضج وسابقا لأوانه وفي حال تطبيقها ستزيد تعقيد الأمور بشكل أكبر من وضعه الحالي من مجرد اتفاقيات تجارية فردية.
يشار إلى إن عملية ربط العملة الخليجية كانت على أساس أن تكون مؤقتة ويمكن لها أن تتغير إذا ارتأت دول المجلس ضرورة في التغيير وكان الربط طوعيا ولكن بحسب المراقبين أصبح الزاميا بسبب تسعيرة النفط بالدولار ويعتبر النفط السلعة الوحيدة التي تعتمد عليها دول الخليج في اقتصادياتها.
تجدر الإشارة إلى أن جميع محافظي مؤسسات النقد ووزراء المالية ومسؤولي البنوك المركزية لم يكشفوا أسباب استمرار ربط عملاتهم بالدولار ويعتبر هذا الموضوع بالغ الحساسية الأمر الذي يتطلب التحفظ عليه وغير قابل للنقاش.
0000000000
جريدة الرياض