تطبيع الاحتساب

[عبدالله السلوم]

بسم الله الرحمن الرحيم
تطبيع الاحتساب
الحمد الله الهادي إلى سواء السبيل أعز من أطاعه واتقاه وأذل من تولى عنه وعصاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:
فهذه كلمات عن جانب عظيم من جوانب الدين وسبيل من سبل المرسلين لا يقوم الدين إلا به ولا يصلح العباد والبلاد إلا ببلوغه. ذلكم هو جانب الاحتساب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وليس القصد هنا بيان فضله وفقهه و أهميته ونتائج التفريط فيه. وإنما القصد تذكير الناس بواجبهم نحوه وتعويدهم عليه ليكون جزءاً من حياتهم لا ينفك عنهم وسبيلاً واضحاً يتعامل به المسلم يومياً مع إخوانه المسلمين بدون خوف أو خجل أو تسويف أو استصعاب أو كسل.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب الأمة وفرضها اللازم لتقوم بهذه الشعيرة العظيمة قال الله تعالى }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{ وهو واجب على الكفاية إذا قام بين الناس وانتشر وعم الوعي برئت الذمة وإن لم يقم في الواقع عم الآثم المقصر والساكت.
أيها الأخوة إن الغرض العظيم من القيام بهذه الشعيرة هو تعبيد الناس لله تعالى وتشريفهم بطاعته وتربية قلوبهم على خشيته ومحبته وخوفه ورجائه لتُنيب القلوب إلى الله تحبه وتذكره وتخشاه وتستغفره فأكرم بهذا المسعى من شرف وأعظم بهذا الهدف الكبير من عز، إن قيامنا بهذا الأمر العظيم سبب في رضا الله وحلول البركات وعموم الرخاء وتيسير الأمور والنصر على الأعداء وإجابة الدعاء وصلاح الأحوال في الدنيا والآخرة، وإن قيام الأمة بهذا الواجب سبب في ردع المعاند وتعليم الجاهل ورد الضال إلى الحق وانتشار الخير وشد ظهور أهل الحق وقيام بواجب النصرة للمحتسبين الأغيار الذين يدافعون عن أعراض الأمة ويبعدون عنها أسباب الهوان والهلاك، أيها الأخوة: إن ترك هذه الرسالة العظيمة أو التهاون بها سبب لسخط الله ومحق البركات وتمرد الأشرار وعتو الفجار ونشر للرذائل وتيسير للمنكرات وسبب في الذل والخسران وتسلط الأعداء وضعف في الإيمان وتجرئةٍ لضعاف النفوس وتهوين من قدر الحق والقائمين به. معاشر المسلمين إن تطبيع الاحتساب فريضة الوقت وواجب الجميع لما نرى بين غالبية الناس من تعد لحدود الله وتهاون في الواجبات ومن شيوع مُعلن ظاهر للمنكرات فأصبح الناس – نتيجة السكوت والتهاون بهذه الشعيرة – يتعاملون مع المنكر وكأنه حق لهم يمارسونه ويعدونه حرية شخصية ومجاراة لما عليه أغلب الناس وأصبحت النظرة للمحتسب – الآمر الناهي – على أنه فضولي متدخل في شئون غيره معتد على حريات الناس وما يختارون، وأصبحت النظرة على أن القيام بأمر الاحتساب خاص بموظفي الهيئات الرسميين فهم فقط الذين يعنيهم الأمر، وصارت النظرة إليهم على أنهم متشددون ومعقدون وأنهم لا يفقهون يسر الشريعة وسماحتها، لهذه الأسباب وغيرها أردنا بيان تطبيع الاحتساب وتسهيله على الناس وفضل ذلك على الآمر والمأمور في عشر وقفات فهيًَّا إليها مستعينين بالله العلي العظيم:
1) ابدأ بمن تعول فهاهم أولادك بين يديك وقد ولاك الله عليهم فإن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع فإياك ثم إياك أن تجلب لهم المنكرات وترضى لهم التخلف عن الصلوات وجلساء السوء وأماكن الشر فاحذر أن ينقلب هذا البيت الذي منَّ الله به عليك ورزقك وأظلك فيه وستر عيوبك عن الناس فيه إحذر أن ينقلب إلى بيت فسوق وعصيان ثم تكون فيه أيها الأب ضعيف السلطة محتقراً بين أولادك لا يهابونك مغلوباً على أمرك ترى أولادك بعد التدين والثبات قد انحرفوا وأضاعوا أوامر الله ولا حيلة لك معهم وما أصابك هذا الهوان إلا بغفلتك وتفريطك بأوامر الله واستسهالك لحدوده، ومن هان عليه أمر الله أهانه الله وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ.
2) إنك – أخي المسلم تمر يومياً على منكرات ظاهرة فكيف لا يتمعر وجهك وكيف يهدأ قلبك وأنت ترى أن الله جل جلاله يُعصى ويضيع أمره وتُتعدى حدوده، فقف قليلاً على صاحب البقالة والخباز والحلاق والتسجيلات الغنائية وغيرهم ممن تلبسوا بالمنكرات وأهد لهم الكلمة الحانية الرفيقة وقل لهم اتقوا الله عز وجل وارحموا أنفسكم وارفقوا بها فلا تعرضوها لسخط الله الذي بيده الجنة والنار وبيده الأعمار والأرزاق والأنفاس والحياة والموت وقل لهم إني لكم من الناصحين وعليكم من المشفقين، وإن كان الموجود في المحل العامل فقدم له النصيحة بطلب الرزق الحلال حتى يبارك الله فيه ويهنأ ويُرزق القناعة والرضى والسكينة والطمأنينة بخلاف الرزق الحرام الذي هو ممحوق البركة والوعيد عليه في نار تلظى لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى ثم اطلب من العامل رقم هاتف صاحب المحل والمالك المؤجر وقدم لهما النصيحة.
3) اعلم أخي - الغيور – أن النصيحة إذا لم يقبلها الناس وأعرضوا وأصروا على ذنوبهم فاعلم أنها لا تضيع عند الله فهو سبحانه لم يطالبنا بالنتائج وهداية القلوب وليس علينا إلا البلاغ قال تعالى } إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ{
4) ستجد في البداية أن مواجهة الناس بأخطائهم أمر قد يشق على النفس ولكن مع الاحتمال والاحتساب وتذكر حق الله العظيم وتذكر إيثار رضى الله على رضى الخلق ستجد أن هذا الشعور يهون عليك الأمر ثم مع المواصلة والاستمرار ستجد أن فيه راحة وطمأنينة وسبب لزيادة الإيمان، واعلم أن شعورك أنك تقوم بواجب من أعظم الواجبات فهذا يعطيك المزيد من البذل والإصرار واستمراء هذه الرسالة واعتيادها.
5) الشيطان والمخذلون وأهل الأهواء يهونون مسألة إنكار المنكر بدعوى أنه ربما يعرض صاحبه للخطر والمتابعة وقطع الرزق وفيه الاعتراض على أوضاع الناس، وكل هذا تهويل من الشيطان وأعوانه ومن قعدت بهم شهواتهم وأهواؤهم وركنوا إلى داعي النفس وإيثار الراحة، والصحيح أخي المسلم أنك مطالب بما تستطيع وما لا تستطيعه فدعه لمن يستطيعه ليقوم به.
6) أخي المسلم لا تنس النصيحة لجيرانك وأسرتك وأقاربك الأقربين والأبعدين فلهم حق عليك بالبلاغ والموعظة الحسنة، ولا تنس زملاء العمل وطلابك ولا تنس والديك فهم أولى الناس بك ونصيحتك لأنك تدلهم على طريق الجنة وتحذرهم من طريق النار وسخط الجبار جل جلاله.
7) اجعل لنفسك برنامجاً يومياً بأن تنكر ما تراه من منكرات بلسانك بالحكمة والموعظة الحسنة، واقطع على نفسك عهداً بذلك وإياك أن تظن بأن ما تقوم به فضلاً من عندك ونفلاً بل هو فرض لازم وحق واجب.
8) لا يمنعنك من الإنكار والنصيحة كونك مقصراً – فكل ابن آدم خطاء – لأنه يجب على المسلم أربعة أمور لا يسقط أحدها بترك بعضها وهي فعل المعروف والأمر به وترك المنكر والنهي عنه.
9) تذكر أخي المحتسب أنك إذا قمت بواجب الأمر والنهي غيرة لله ومحبة لدينك وإعزازاً له فإذا صَدَقَت منك النية لتعظيم الله فتيقن بحفظ الله لك وأن يجعلك عزيزاً مهاباً ثم اعلم أن من أراد هداية الخلق ومحبة الخير لهم فإن الله يهديه ويوفقه ويعليه لأن الجزاء من جنس العمل ولأن رحمة الله قريب من المحسنين وتذكر أن تعظيم الأوامر تعظيم للآمر.
10) وأخيراً – أخي المسلم – ذكّر من حولك من أولاد وزملاء وأصدقاء وأقرباء من الرجال والنساء ذكرهم بهذا الواجب العظيم ليقوموا به وهذا من أعظم الوفاء لهم وأكبر البر بهم أن تدعوهم إلى القيام بتعظيم حق الله والدفاع عن حرماته وتأدية واجباته فهذا هو العز الحقيقي والشرف الكبير وما أحسن تذكير الجميع بسورة عظيمة جامعة لأسباب الفلاح ومتوعدة بالخسران لمن تهاون بركن من أركانها الأربع وهي قوله تعالى } وَالْعَصْرِ 1 إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ 2 إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ 3{
وهذه وقفة عظيمة مع كلمة للعالم الرباني ابن القيم فاسمع ماذا يقول (وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان؟ شيطان أخرس كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين وخيارهم المتحزن المتلمظ ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون وهو موت القلوب فإن القلب لما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل) أعلام الموقعين عن رب العالمين ج2 ص177
والله المستعان وعليه التكلان ومنه التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعنا معهم برحمة يا أرحم الراحمين

[الرمادي]

كلمة طيبة أخي عبدالله السلوم في الحث على الأمر بالمعروف وتوضيح المنكر لفاعليه


كم نتمنى أن نرى الكلمة الطيبة تسبق الإنفعاليه في مثل هذا العمل لتكون هي العنوان لهذه الشعيرة العظيمة


شكرا لك على هذا الطرح الرائع

وتقبل خالص تحياتي ,,

[حنيش الملز]

بالحقيقة طرح جيد بل وممتاز ايضا وكم نتمنى من ادارة الموقع الموقرة تثبيت الموضوع لبضع ايام لتناقش فيه فهنالكم ما بودنا ان نسلط الأضواء عليه حيال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...
ورؤ الناس حوله وتطبيقه بيننا ومن خلال رجال الهيئات ...
وهنالكم اخطاء تقع وتجاوزات أحيانا ، وكل جهاز طبعا به هذا ، ولكن ان تتكرر او ان تكون أخطاء فادحه وبها مآخذ فباغتقادي ان الأمر يأخذ مسارا آخر ذاتا ان كان من رجال ينتمون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا نغفل ان الآية الكريمه قدمت الأمر بالمعروف عن النهي عن المنكر ايضا ...
وليس العيب بالخطأ ابدا انما الخطأ بتكراره ...!!!!

وكل جهاز وادارة حكوميه سواسية لدينا لاشك في هذا ، ولكن تبقى الأمور ذات الجوانب الشرعيه التي تحظى بتعاطف وحب المجتمع ....

[الوطني]

مع ماتتميز به مملكتنا وشعبها من خصوصيه اجتماعيه ودينيه .. وبقدر مايتمتع شعبها بالسمعه الجيده التي يثنون بها على انفسهم ويتفاخرون بها امام الآخرين كونهم الاشد التزاما بأمور الدين والاكثر تحفظا وحفاظا على عقيدتهم وقيمهم الدينيه والاجتماعيه .. فانه من البديهي بناءا على ذلك أن يكون الناس فيها متطبعين مسألة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بينهم .. ومن البديهي أن يكون ذلك سمه من سماتهم وطابعهم الشخصي .. والذي لن تتحقق الا مع شيئا من التفقه أو نور البصيره يتمتع به كل فرد منهم .. ليكون ذلك متوافقا مع كل هذه السمعه .. وأن افتقدوا هذا الطبع أو هذه السمه فيما بينهم .. أو قصروا فيها .. وهم على هذا الحال وهذه المكانه والسمعه .. فأنه من غير المعقول ان يكونو هم من يحتاج الى جهاز قوي وفعال ليأمرهم هم بالمعروف وينهاهم هم عن المنكر ..

فاما سمعه وخصوصيه شعبيه مبنيه على ادعاء زائف ..

واما جهاز حكومي يعمل في غير وقته وغير ظرفه .. وهو هيئة الامر بالمعروف والنهي عن النكر .....

حاليا .. لاهذه ولا تلك .. واضح ان منسوبي ذلك الجهاز يجتهدون لأبراز نشاطهم أو اثبات وجودهم الاداري بمحاولة تحقيق انجازات ترتقي لمستوى طموحاتهم هم اداريا ومهنيا .. قد لاتتحقق على ذلك النحو من خلال نطاق وطبيعة واسلوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وقد لاتتحقق ايضا في ضل وجود مجتمع طابعه الفضيله والالتزام ... مما جعلهم كما يبدو وبدافع تطلعاتهم وطموحاتهم تلك يركزون جهودهم على الكم اكثر من الكيف .. بالتقصي عن الحالات وتثبيتها اكثر من معالجتها وتفاديها قبل وقوعها .. بشكل واسلوب يتنافى مع روح وطابع مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ..

وجعلهم يحاولون فتح مجالات وآفاق اوسع ترضي تطلعاتهم .. بما يبدو من حرصهم على اداء بعض المهام التي تختص بها اجهزه حكوميه اخرى .. حتى ان مصطلحات القضايا والمحاضر والاقرارات والجريمة وما الى ذلك طغت على عبارات الوعظ والارشاد في ذلك الجهاز .. وفي مخاطباته .. وأخذت من اهتمام وحرص مسئوليه ..

بل وصل الامر على مايبدو وفي ضل هذا النشاط وهذا الاهتمام وتلك الدوافع .. ومع عدم وجود منكرات حقيقيه ظاهره أن ينظر لبعض الامور المباحه على انها منكرات .. أو القيام بتبني بعض العادات التي قد لاتخالف الدين .. ولكنها ليست منه والعمل على حراستها .. مما سبب واثار مقت الكثيرين للعاملين في ذلك الجهاز وطريقة ادائهم .. مما جعل هذه النعمه نقمه بعد أن اتكلنا عليها كليا في حراسة الفضيله .. بتركنا ماينبغي أن نرسخه ونطبعه في انفسنا من الامور التي وضحتها اخي الكريم عبدالله السلوم .. والتي معها قد لانحتاج ابدا الى جهاز حكومي وموظفين يقومون بذلك عنا بحسب تقديرهم ونظرتهم الخاصه للأمور .... الا اذا كرست امكانات ذلك الجهاز الفريد من نوعه في العالم وطموحات العاملين فيه مع مايمكن تحقيقه من خلالهم .. لقبول كل المتسجدات الحضاريه وبكل شجاعه والعمل على تهذيبها وتطبيعها وغرس وحراسة الفضيله فيها .. بدلا من هدر كل ذلك الجهد وتلك الامكانات في مراقبة الابرياء أو مزاحمة الاجهزة الاخرى في مهامها ..



اشكرك اخي عبدالله السلوم على طرحك الرائع والهادف ..

وتقبل مني اجمل تحيه ..