مشروع استجواب لوزير الماليةلماذا لم تتقيد وزارة المالية بتعليمات الميزانية..؟
(3)
الآن سأضع بعض النقاط على الحروف... والحروف هي طبعاً تلك النصوص النظامية التي بدا لي أن وزارة المالية لم تتقيد بها... وأبدأ بمرسوم الميزانية رقم 34 في 22/9/1421هـ الذي قال (تعتمد المصروفات بمبلغ 215 مليار ريال) ثم المادة (73) من النظام الأساسي للحكم التي ورد فيها بالحرف الواحد (لا يجوز الالتزام بدفع مال من الخزانة العامة إلا بمقتضى أحكام الميزانية، فإن لم تتسع له بنود الميزانية وجب أن يكون بمرسوم ملكي)، أما المادة (27) من نظام مجلس الوزراء فتقول (كل زيادة يراد إحداثها على الميزانية لا تكون إلا بمرسوم ملكي) وهناك عدة فقرات في المرسوم الملكي الذي صدرت به الميزانية، تقول الأولى منها (لا يجوز إصدار أمر بالصرف بما يتجاوز الاعتماد أو الارتباط بأي مصروف ليس له اعتماد في الميزانية)، وتقول الثانية (لا يجوز إطلاقاً تعيين أو ترقية المواطنين والمستخدمين والعمال إلا على الوظائف المعتمدة في الميزانية)، وتقول الثالثة (فيما عدا تعيين الوزراء لا يجوز خلال السنة المالية إحداث وظائف أو مراتب جديدة خلاف ما هو معتمد في الميزانية باستثناء الوظائف التي تحدث وفقاً للشروط التي تضمنها نظام الوظائف الموقتة، ولا يجوز رفع المراتب المعتمدة في الميزانية ويجوز تخفيضها) أما قرار مجلس الوزراء رقم 231 في 22/9/1421هـ الذي صدر بالموافقة على الميزانية فقد قال بالحرف الواحد (تلتزم كل جهة حكومية بالصرف في حدود اعتمادات الميزانية دون زيادة).
وهذه النصوص تؤكد بوضوح شديد على أن مصروفات الدولة خلال عام 1421/1422هـ تبلغ (215) مليار ريال وأنه لا يجوز تجاوزها، ولكن وزارة المالية قد تجاوزت ذلك فصرفت (255) مليار ريال.
والمرسوم الملكي الذي صدرت به الميزانية قال إنه (يخصص ما يتحقق من فائض في الإيرادات لتسديد الدين العام) ويفهم من هذا - إذا أخذنا في الاعتبار أن المصروفات (215) مليار ريال كما حددها المرسوم - أن كل ما زاد على هذا من الإيرادات فهو وفر قضى المرسوم الملكي بتخصيصيه لتسديد الدين العام، ولما كانت الإيرادات قد بلغت في نهاية العام (230) مليار ريال فمعنى هذا أن هناك وفراً في الإيرادات يبلغ خمسة عشر مليار ريال، وهذا الوفر هو ما كان ينبغي على وزارة المالية أن تخصصه لتسديد الدين العام، ولكن وزارة المالية استخدمت الوفر لتغطية بعض ما صرفته زيادة على المبلغ المحدد في الميزانية للمصروفات.
أما الحالة الثالثة التي بدا لي أنها مخالفة من وزارة المالية لما ورد في المرسوم الملكي فهي اقتراضها خمسة وعشرين مليار ريال لتغطية ما زاد على (230) مليار ريال من المصروفات، فالمرسوم الملكي قد خولها الاقتراض إذا ما نقصت الواردات عن المصروفات المقررة في الميزانية البالغة (215) مليار ريال، ولم يخولها الاقتراض لتغطية أية مصروفات تزيد على الـ (215) ملياراً، حيث كان النص الوارد في المرسوم الملكي بتخويل الوزارة بالاقتراض كالتالي (تفوض وزارة المالية والاقتصاد الوطني في حال انخفاض الإيرادات عن المصروفات بالاقتراض لمواجهة الفرق بين مصروفات وإيرادات السنة المالية 1421/1422هـ) وإذا ما أدركنا أن المصروفات الواردة في النص هي تلك المصروفات التي حددها المرسوم الملكي بـ(215) مليار ريال وأكد على الالتزام بها وعدم تجاوزها فإنه يتضح لنا أن النص يخوّل وزارة المالية أن تقترض إذا ما نقصت الإيرادات عن (215) مليار ريال، أما إذا بلغت هذا الرقم فما فوق فإن النص لا يعطي وزارة المالية الحق في الاقتراض، ومع هذا الوضوح في النص فإن وزارة المالية قد اقترضت مع أن الواردات ليسـت فقط مبلغ (215) مليار ريال بل تجاوزت ذلك إلى (230) مليار ريال.
ولكن هل يعني هذا أن وزارة المالية مكتوفة اليدين لا تستطيع التصرف في الحالات الطارئة التي لا تحتمل التأجيل...؟ طبعاً لا... بل تستطيع ذلك وهذا واضح من نص المادتين (73) من النظام الأساسي للحكم و(27) من نظام مجلس الوزراء اللتين ذكرتهما في بداية المقال، وواضح كذلك من قرار مجلس الوزراء الصادر بالموافقة على الميزانية فقد قال بعد أن ألزم وزارة المالية والجهات الحكومية كافة بالتقيد باعتمادات الميزانية وعدم الخروج عليها (في حال نشوء وضع طارئ لا يحتمل التأخير يرفع عنه للمقام السامي طبقاً لمقتضى المادة (73) من النظام الأساسي للحكم والمادة (27) من نظام مجلس الوزراء) والمقصود طبعاً أن ترفع وزارة المالية عن أية حالة طارئة لا تحتمل التأجيل للمقام السامي إذا لم تتسع لها بنود الميزانية، فإذا وافق مجلس الوزراء وصدر مرسوم ملكي بالموافقة جاز للوزارة صرف المبلغ الذي تضمنه المرسوم.
وإذن فإن وزارة المالية تستطيع صرف أي زيادة ولكن في الحالات الطارئة التي لا تحتمل التأجيل إذا صدر بذلك قرار من مجلس الوزراء بالموافقة وصدر مرسوم ملكي بإجازة الصرف، ولكن لا يتضح من بيانها المكون من سطرين الذي أبلغتنا فيه أن المصروفات ارتفعت من (215) إلى (255) مليار ريال، أنها كتبت للمقام السامي وأن هناك حالات طارئة لم تكن تحتمل التأجيل وأن مجلس الوزراء قد وافق وصدر مرسوم أو مراسيم ملكية بإجازة صرف الأربعين مليار ريال حيث لم تشر إلى ذلك في بيانها، ولو أن شيئاً من ذلك حصل فالمفروض إعلانه مثلما حصل لبيانات مصروفات الميزانية واعتماداتها التي أعلنت في مختلف وسائل الإعلام لأن الهدف من إعلان الميزانية لا يكتمل دون الإعلان عن الإضافات خاصة عندما تكون في مثل هذا الحجم، ثم كم يا ترى عدد تلك الحالات الطارئة التي لا تحتمل التأجيل التي وصلت مبالغها إلى أربعين مليار ريال...؟
ثم إنه قد ورد ضمن الاختصاصات المالية لمجلس الوزراء الاختصاصات الثلاثة التالية:
1- دراسة وإقرار ميزانية الدولة ويصدر بذلك مرسوم ملكي.
2- إقرار التعديلات على الميزانية ويصدر بذلك مرسوم ملكي.
3- مراجعة اعتماد الحساب الختامي للدولة عن العام المالي المنقضي.
ويفهم من هذا أنه لا يجوز صرف أية زيادة عن المبلغ المحدد للمصروفات في الميزانية إلا بعد إقراره من مجلس الوزراء، وأنه لا يجوز لوزارة المالية أن تصرف زيادة دون موافقة المجلس ثم تبعث الحساب الختامي للموافقة عليه من المجلس إذ لا بد أن تكون هناك موافقة سابقة على صرف الزيادة قبل عرضها في الحساب الختامي، والمعروف أن قرارات مجلس الوزراء يفصح عنها في العادة وزير الإعلام.
وعلى أية حال فحتى على افتراض وجود المبرر النظامي لوزارة المالية بصرف الزيادة فيظل الأمر الجوهري - كما ورد في المقال السابق - هو أن قيام وزارة المالية بصرف وفر الإيرادات بدلاً من تحويله لحساب الدين العام واقتراض مبالغ إضافية وصرفها بتلك المعدلات الضخمة أمر فادح الضرر في ظل وضعنا الاقتصادي الحالي الذي يتطلب بذل العناية القصوى لتخفيض الدين العام وشد المآزر كما عبر عن ذلك صاحب السمو الملكي ولي العهد وليس العكس كما فعلت وزارة المالية... ويوم السبت المقبل بمشيئة الله نواصل الحديث وسيتضح لنا أن ما خفي كان أعظم.