كان يا ماكان في قديم الزمان ( حينما كانت بريدة أكبر سوق للجح ..! ) ، و حينما كنا بسطاء حد السذاجة ، كان هناك طريق عرضه سبعة أمتار يربط بين حي الروضة و حي البشر ، و يتقاطع معه طريق آخر بعرض عشرة أمتار ( وهو طريق الروضة الآن ) ، هذا التقاطع كان مأساويا فالحركة فيه عالية ، و الطريق سيء للغاية ، و لا توجد فيه إشارة مرورية ، فكثرت فيه الحوادث ، و كان الكثيرون من الأهالي طالبوا بوضع مطبات صناعية ، أو إشارة مرورية في الموقع ، إلا أن كافة محاولاتهم باءت بالفشل ..
و في يوم من الأيام حصل حادث شنيع ( كعادة حوادث هذا التقاطع ) سلم الله فيه أصحاب السيارات و أهلك سياراتهم ، إلا أن هذا الحادث حقق المقولة المشهورة ( رب ضارة نافعة ) ، ففي نفس اليوم تماما تم وضع مطبات صناعية مزدوجة في الاتجاهات الأربع ، و لله الحمد انقطعت بعدها الحوادث المأساوية ..
كان هذا الحادث ليس لشخص بسيط مثلي ، بل كان لابن رجل مسؤول يتولى ( الوكالة ) ، لذلك جاء الحل سريعا بلا أوراق ولا معاملات ولا لجنة سلامة و لا حاجة إلى مناقشات بيزنطية ..
و لله الحمد من قبل و من بعد ..
تذكرت هذه الحادثة و أنا أقرأ بالأمس جريدة الجزيرة في صفحتها الأولى و هي تخبرنا عن اجتماع معالي نائب وزير التعليم مع وكلائه و المديرين العامين ، لمناقشة كيفية التعامل مع تفشي مرض انفلونزا الخنازير ، حيث خرجوا بتوصيات - أراها عجيبة غريبة حد الذهول - رغم ما ذكر أنهم استفادوا من التجارب الدولية ( ! ) ..
القرار يقول باختصار :
أ - تقفل المدرسة لمدة أسبوع في الحالتين - مع بقاء عمل الكوادر الإدارية و التعليمة :
1- إذا ظهرت أعراض الانفلونزا خلال أسبوع على ما نسبته ( 10% ) من عدد الطلاب . بمعنى ( يجب إصابة 30 طالبا في أسبوع واحد في مدرسة يبلغ عدد طلابها 300 )
2- إذا تغيب ما نسبته ( 10 % ) من عدد الطلاب بسبب الانفلونزا .
ب -
1- تغلق المدرسة إذا حصلت وفاة لأحد طلبتها بسبب مرض الإنفلونزا لا سمح الله.
2- تغلق المدرسة إذا أدخل اثنان من طلبتها للعناية المركزة بسبب مرض الإنفلونزا.
يتم اتخاذ قرار تعليق المدرسة من قبل مدير التربية والتعليم بعد التشاور مع مدير الشؤون الصحية .
السؤال الساذج كسذاجتنا نحن أبناء دول العالم الثالث :
ماذا لو أن المدرسة ظهر على ما نسبته ( 8 % ) من طلابها أعراض المرض ..؟؟
و لا أدري ما معنى تحديد دخول طالبين إلى العناية المركزة حتى تغلق المدرسة ..؟؟
ما يظهر لي أننا سنبتهل إلى الله أن يصاب ( ابن وكيل ) حتى نرى كيف تكون العملية الوقائية ، و عموما فإني شخصيا أنصحكم كثيرا بمتابعة أبناء كبار المسؤولين و نقل أبنائكم إلى مدارسهم ، فهو الحل الأمثل ، في ظل عدم الوعي بهذا الوباء ..
من المآسي أن وزراة الصحة تفتخر بأنها عالجت ما نسبته ( 98 % ) من المصابين ، و إن كنت أجزم بأن هذه النسبة هراء ، إلا أنني أستغرب أن يتم تجاهل تفشي الوفيات بسبب هذا المرض .. !! ، كانت وزراة الصحة أعلنت بالتزامن مع مصر أول إصابة في البلدين ، و مصر الآن وصلت الوفيات فيها إلى ( اثنتين) و نحن تجاوزنا العشرة أضعاف ..!! فهل نحن أكثر تخلفا من مصر ..؟ أم أن إمكانات الدولة أضعف من مصر ..؟ أم أن الاهتمام لدينا بالأرواح أصبح معدوما .. !!
حينما انتشر الوباء في دول العالم كان يظهر إلينا معالي الدكتور الربيعة بابتسامته التي ( كنت ) أحبها ، ليبشرنا بأن الأمور على مايرام و أن وزارة الصحة اتخذت كافة الاحتياطات اللازمة ، و لكن الواقع الآن يثبت إلى أن ما كان الوزير يتحدث فيه هو أشد كذبا من كذبة إبريل ، و أنه هو شخصيا لم يعط هذا الوباء قدره و اهميته ، بل لم تتجاوز أعماله الكبرى لمواجهة هذا الوباء عقد اجتماعات ( إعلامية ) ..
ولما بدأت الوفيات كان يظهر بابتسامته ( السيامية ) ليعلن عن حالة و فاة و كأنه يبشر الأمة بفتح عظيم .. !!
أجزم يقينا بأن الدولة أعزها الله لم تمتنع عن الدعم ، و لن تكون بخيلة فيه و هي المعطاءة ، و لديها القدرة و الرغبة في صرف المليارات على مواجهة مثل هذا الوباء ، و لكن المشكلة دائما و أبدا في هؤلاء الوزراء لا أكثر .. و كنت ظننت أن معالي الوزير سيكون الأفضل بصفته قريبا من خادم الحرمين الشريفين ، و لأنه نال ثقته من قبل أن يعتلي هذا المنصب ..
عموما ..
ستبدأ الدراسة ، و سيتزامن معها دخول فصل الشتاء ، و ستنتشر الانفلونزا السنوية ، و ستكون الأجسام قابلة بدرجة عالية للعدوى ، و معاليه يفتخر بمعالجة ( 98 % ) كما يفخر بالتأكيد ( بوفاة 26 مصابا ) ..!!
مدارسنا فيها فصول يجلس فيها ( 40 ) طالبا ، و وسائل التهوية معدومة إلا من نوافذ صغيرة يغلقها الطلاب كي يتمتعوا بالدفء ، و هم يتنفسون أنفاس بعضهم .. !!