[align=center]
عجيب شأن هذا الشهر , فلا يكد يهل عناؤه حتى تبدأ كثير من الأنفس بالرحيل عن نفحاته وروحانياته , وما ذلك إلا تبعًا لعناء الإسلام ومكارهه , حيث تُحيل فوائد تشريعه إلى هرطقات ليست من الحق في شيء , حتى ليخيل إليَّ أنني في مجتمع لا يذكر هذا الشهر إلا ذكر بصحبته أنواع الأطعمة وأصناف طرائق إعدادها , فتلك مصيبة الخلف حين جاروا على منهاج السلف بلا روية .
إنني لست بدعًا من ذلك المجتمع , وإنما منضوٍ فيه , راغب إليه , غير بعيد عنه , بَلْه متمسك به , فلست أجد بونًا سحيقًا حين أهرع إلى ما استلذ منه وما بغض , فلو حسبت سويعاته لوجدتها بين نوم وتلاهٍ ليس لهما حد , إذ ذاك أروح وأغدو كمن أراد تزجية الوقت وحسب , وإذ ذاك يعتريني شيء من تلك النفحات والروحانيات فلا ألبث أن أعود أدراجي فوق أدراج .
مصيبة حين يريد أحد أن يشذَّ عن سياق مجتمعه , وعويص عليه أن يبقى فردًا ظاهرًا كما التلة في الأرض المنبسطة , فلن يرى فِلْذات أكباد يضوعون جوعًا , ولن يجد متاعًا ليس له منه شيء , وإنما الشأن كله حبس النفس عما نهيت عنه في تلك الأيام المعدودات القليلة .
لن آتي لكم بصور غياب تلك النفحات من مكان بعيد , وإنما سألمح إلى تلك المسابقة في هذا المنتدى عن لقب الطباخة الماهرة , إنها مسابقة جميلة بلا أدنى ريب , إلا أن توقيتها يُحيلنا سريعًا إلى فهم هذا الشهر بمفهوم البطون المائلة شبعًا , والأمزجة المتفكهة دون العقول المتفكرة , والقلوب الخاشعة , وما أدري كيف يكون العقل متفكرًا وجوفه يموج بأصناف الأطعمة باعتبار ما سيكون بعد إفطاره ؟ !
ويل للشَّجي من الخلي , فلم يعد رمضان من الرَّمض كما في عهود منفرطة ومنقرضة , وإنما رمضان ذو مشروعات التسمين , وتعدد الاطراح على الوسائد في درجة برودة تستدعي النوم بعد النوم بلا خجل وبلا مضض .[/align]