عادة ٌ يوميه ..إعتادتها راويه كل صباح ...
لتمشط شعرها الخشن ..فقد تصلبت أسنانه من فرط العـُـقد داخل تلك الأسلاك الطبيعية السوداء ..
علامة وشم سوداء أسفل تلك الرقبه ..تكسو ذلك الجلد القمحي والذي تنتشر حوله تلك البثور الحمراء المزعجه ..
بداخلها نوعٌ مزعجٌ من الأفكار و التي تُطحن بين سنوات العمر وتجاعيد الحياه ..
فسن الخامسة والأربعين مزعجٌ بعض الشيء حينما تشاغبها تلك الشعيرات البيضاء وقت الذبول ..
تربط شعرها بلفافة خضراء ممزقه ..
لتجر قدميها الى ساحة المكان ..حيث العجوز المتصابي ينتظرها بشغف ..
لتحضر له قهوة الصباح مع التمر المعجون بالسمن ..
ليلقم من يديها تلك الحبات أول النهار ..ويلكمها منتصفه ..ويعاشرها أخره ..!!
دائماً يطلب منها الإبتسامه ..وينعتها بالغباء والنكد ..ويقارنها بسيدات ذلك الزمن ..وبالأخير بصقة ٌعلى الوجه ..ليكتمل مسرح الألم ..
أدارت المذياع بحجرة المطبخ على صوت أم كلثوم ..
إنت عمري ..
رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا *** علموني أندم على الماضي وجراحه
اللي شفته قبل ما تشوفك عنيه *** عمر ضايع يحسبوه إزاي عليّ
انت عمري اللي ابتدي بنورك صباحه *** قد ايه من عمري قبلك راح وعدّى
يا حبيبي قد ايه من عمري راح *** ولا شاف القلب قبلك فرحة واحدة
ولا ذاق في الدنيا غير طعم الجراح *** ابتديت دلوقت بس أحب عمري
!
ليُـقطع صوتها بطرق باب المنزل ..لتسمع صوتاً ذكوري يسأل عن (عمود البيت ) لتجيبه بالنفي عن تواجده ..
فيطيل الحديث بالسؤال عنها ..وتجيبُ بخجلها الذي يمنعها بين كل حين أن ترد الجواب ..فلم تعتد تلك الحنجره أن تتحدث للغريب ولا لعابري السبيل ..
فمكوثها بالمنزل مؤبد ..وخروجها ليس إلا لمرض وعزاء ..
فاليتم أذلها بين حنايا ذلك الرجل ..ليزيدها حسرة الإنقطاع بلا أهل ٍولا ولد ..
أصبحت حديث الساكنات بالحي ..لصعوبة التواصل معها ..بين متأثر وبين ناقم عليها ....
ذهب ذلك الصوت ..ليعود بعد ساعتين وهو يحمل كيساً من الفواكه ..ليطرق الباب مرة أخرى طالباً منها أن تقبل تلك الهديه من باب الجيره الطيبه ...
شيء رائع ..فلم تعهد تلك الفواكه الملونه بين المشمش والكرز والتوت والتفاح إلا وقت الصغر حينما كانت تسمعها من بنات الحي ولا تتذوقها ..
فمحرم على الفقير تلك المتعه ... إلا بالسماع والصور ..
مدت يدها ..لتلتمس بيده من باب الصدفة الغير موعوده ..
فسقط الكيس من الخوف ..ولم تتكلم ..
بينما رحل بهدوء ٍوإرتباك ٍمستفهم ..!!
( يدي ..ماهذا الشعورُ الغريب ..وذلك الإحساس ..كيف تجرئتي ..فلم تعانقي إلا ذلك الخشن الذي جرحك وبلللكي بالألم ..: !)
مازالت أم كلثوم تصدح في فيناء المنزل ..
وراويه تدور بين الخوف وبين ذلك الشعور الغريب ..
فاأخذت تلك الحبة الحمراء من التوت ..وأكلتها بشغف ٍلا متناهي ..
فقد كان الطعم ُمن الجنة المفقوده ...بلذتها ...
صوت العصا عند الدخول وضرب الأبواب بها ..
وزمهرير الذكورة بين الرغبة بالأكل والتحلي بجسدها ..
وسحق تلك المشاعر دون السؤال ..المهم المتعة فقط ولا غير ..
لتستسلم له دون المقاومه..فلم تعتد بالأصل تلك المقاومه ..
فقط ...الفاكهه من تنسياها ذلك البتر المؤلم ..
فالمسة والصوت ..هما رُكن الهروب هنا ..
تنتظر كل يوم لعل مهدي الفواكه يعود ..
ولو بصوت قدمه دون السؤال .. لكن الأسابيع تطول ..
بين الأمل الموعود وذلك الغريب ..
في ذلك اليوم ..سمعت صوت نقر الباب ..بشيء خشبي ..!!!
توقعت أنه ذلك العربيد العجوز ..لتقترب فتجد أنه صوت الغريب ..
نعم ..صوت الفرح ..صوت ألوان قوس قزح ..
صوت نهاية الألم ..صوت كل شيء بالنسبة لها ..
قررت أن تفتح الباب لتنظر اليه خلف محرمها الأسود ..
لتكتمل الصورةُ مع الصوت .. فقد أحضر تلك السلةِ وبشكل ٍأجمل ..
مد يده ..بناحية الباب ..لكنها كانت تمدُ بناحية أخرى ... !!
صدمة التجاهل بين اليد واليد كانت بين الضرير وتلك البائسه ..
لتكتمل التعاسة من جديد ...
:
:
أم كلثوم ..فقط ..للمحرومين هنا ...
بقلمي