بسم الله الرحمن الرحيم /تدارك ما بقي من رمضان د/ صالح التويجري1429هـ
إن الحمد لله، نحمده وستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله.رمضان أهلا فكلمات الوداع صعبة المخرج على ضيف ألفناه فلقد تجذرت في نفوسنا, فأهلا بك مقيما في حياتنا بآثارك ودروسك وعظاتك ومكاسبك. أهلا بك فلا زالت لك في نفوسنا وعود نتذكرك في إخراج زكاة الفطر ليلة العيد وفي صيام ست من شوال وفي كل اثنين وخميس وفي عرفة وعاشورا فأنت غائب شاهد ومع هذا أجدني مضطر لأقول وداعا لمن كنت عليهم ثقيلا // وانت ماذا يعني لك الوداع؟
كلمة الوداع يصعب على القلم كتابتها لأنها ليست مجرد كلمة صعبة الكتابة ولكنها صعبة النطق لأن الوداع وداع ربما بعده لقاء أولا لقاء آخر هذه هي الحياة تحمل بين جنباتها اللقاء والوداع والفراق والحب والأسى وكل قواميس المشاعروها هو الدمع ينساب من أعيننا حزنا لفراقك
خوفا من ألا ندركك من جديد إما لانقضاء آجالنا ونحن في اللحود او تغير قلوبنا ونحن في الوجود موسم الخير لما علم الله تقصيرنا وإسرافنا في أمرنا جعل الله فيك تعويض النقص وجبر الخلل في العبادات/والاجتهاد في الطاعات واستكمال مكارم الأخلاق شهر الخير ها انت قد اذنت بالرحيل وستطوى كما بقية الأيام فمغذرة رمضان فنحن لم نراع حقك ولم نستضفك حق استضافتك لم تلبث عندنا الاقليلا خذنا معك في كل لحظة تجل وإشراق فأنت مستشفى زماني يجد فيك كل مريض دواء دائه وبدون حجوزات وكل أجنحتك خاصة فيا لوعة الفراق لأخصب حقول السنة
، أيها المسلمون: عن ابن عباس – رضي الله عنهما - مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: حياتك قبل موتك، وصحَّتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغِناك قبل فقرك)).
إننا لا نعرف قدر وقيمة نعمة الحياة والصحة والفراغ والشباب والغِنى - إلا بعد زوالها وفقدها، فلنغتنم فرصة وجودها، في كلِّ ما يوصلنا إلى جنَّات ربِّنا - ولنستيقظ من غفلتنا، ولنَسْتَدْرِك ما فاتنا من رمضان، ولنجعل ما بقيَ من شهرنا أحسن ممَّا فات، فلعلَّ الواحد منَّا في هذا الشهر آخر رمضان يعيشه، فيكون ممَّن أُعْتِقَ فيه من النار.وقد ورد في الترمذي وغيره بسندٍ صحيح - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لله عتقاءَ من النار، وذلك في كل ليلة)).
ماذا فات من فاته خير رمضان؟ وأي شيءٍ أدركه مَنْ أدرك فيه الحرمان؟أيها المسلمون .عن عبدالله بن عمرو، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ فيقول الصيام: أي ربِِّ، منعتُهُ الطعام والشهوات بالنهار؛ فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُهُ النوم بالليل؛ فشفِّعني فيه؛ فيُشَفَّعان)).
أيها العبد الفقير إلى ربه، لو عرفت قدر نفسك ما أغرتك هذه المعاصي؛ لأنك أنت المختار من المخلوقات، ولك أُعِدَّتِ الجنة إن اتَّقيت وعملت صالحًا، فهي إنما أُعِدَّت للمتَّقين، فكيف ترضى أن تكون من أتباع إبليس؟! وأن تكون معه في النار غدًا من جملة أتباعه؟! {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]، {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19]؟!!
أيها المسلمون:ما أشبه الليلة بالبارحة؛ بالأمس كنا نستقبل رمضان، وها نحن نودِّع خمسة وعشرين يوما مَضَت بما فيهما من الطاعات والأعمال الصالحة، من صيامٍ وقيامٍ وتلاوة قرآن، وها هي أيامه الجميلة ولياليه الطاهرة تمشي الهوينى لكي تطوي علينا هذا الشهر المبارك./فنسأل الله - عزَّ جل - أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتِّباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.نفعني الله وإياكم بهَدْي كتابه، واتِّباع سنَّة نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم.أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لألوهيَّته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى جنَّته ورضوانه، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وعلى أصحابه وسلِّم تسليمًا مزيدًا.أما بعد، أيها المسلمون:
إن لشهر رمضان طعمًا خاصًّا، وشعورًا غريبًا، لا يشعر به إلا المحبون الراغبون في هذا الشهر وما فيه من الخير العظيم، وكأنِّي بأولئك المؤمنون يطلقون العَبَرات والزَّفَرات والدَّعَوات؛ لعلهم أن يكونوا من عتقاء هذا الشهر، وممَّن يمتنُّ الله عليهم بقيامه وصيامه. إن قلوب المتقين في هذا الشهر تَحِنُّ، ومن ألم فراقه تَئنُّ.
إن الخسارة في هذا الشهر تتفاوَت من إنسانٍ لآخر؛ فهناك مَنْ كسب أرباحًا طائلةً لا تُعَدُّ ولا تحصى في هذا الشهر، ووالله لَهُوَ السعيد، فليَشْكُرِ اللهَ، فإنه فضلٌ من الله ومِنَّة: {فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [البقرة: 64].
وهناك مَنْ خسر خسرانًا مبينًا: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [النساء: 119].
وهناك مَنْ كان (بَيْنَ بَيْن)؛ فتارة يخسر وتارة يربح: {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102].كيف يُخسر رمضان؟ وما هي أسباب خسرانه؟:
: من الأسباب السهر، وهو من أعظم خسارة رمضان، والسهر مكروهٌ إن كان على أمرٍ مباح، فكيف بمَنْ سهر على حرام؟! وأكثر الناس اليوم يجلسون طوال الليل مع الأقارب أو مع الأصحاب، وتذهب الساعات في القيل والقال وتتبُّع القنوات الفضائية، وربما جلسوا حتى وقت السَّحَر لم يقرؤوا حرفًا من كتاب الله!! أليست خسارة أن تُضيَّع وأن تضيع هذه الساعات الطوال من رمضان في كل ليلة بمثل هذا؟!
كثرة النوم والخمول والكسل، وهو حصيلة أكيدة لكثرة الأكل والسَّهر، ولو نام العبد في الليل ساعاتٍ لجلس بعد صلاة الفجر يذكر الله ويقرأ القرآن، وأصبح طوال نهاره طيِّب النفس نشيط.
من الأسباب التسويف، وقد قطع هذا المرض أعمارنا، حتى في أفضل الأيام والشهور، حتى ونحن نعلم أننا قد لا ندرك رمضانًا آخر! حتى ونحن نعلم أن رمضان شهر المغفرة والتوبة، حتى ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، وهي ثلاث وثمانون سنة وزيادة - لم تَسْلَم من التسويف؛ فلا حول ولا قوَّة إلا بالله! فاغتنموا فيه أربع ليال باقيات والأعمال بالخواتيم والفوز يوم التغابن والتباين في منازلنا في الجنان
لذلك كان التسويف من أعظم أسباب الخسائر ،
ُلْ لِلَّذِي أَلفَ الذُّنُوبَ وَأَجْرَمَا وَغَدَا عَلَى زَلاَّتِهِ مُتَنَدِّمَا
لا تَيْأَسَنْ وَاطْلُبْ كَرِيمًا دَائِمًا يُولِي الجَمِيلَ تَفَضُّلاً وَتَكَرُّمَا
يَا مَعْشَرَ العَاصِينَ جُودٌ وَاسِعٌ مِنَ الإلَهِ لِمَنْ يَتُوب وَيَنْدَمَا
َا أَيُّهَا العَبْدُ المِسيءُ إِلَى مَتَى تُفْني زَمَانَكَ فِي عَسَى وَلَرُبَّمَا
بَادِرْ إِلَى مَوْلاكَ يَا مَنْ عُمْرُهُ قَدْ ضَاعَ فِي عِصْيَانِهِ وَتَصَرَّمَا
عباد الله الأعياد امتحان نتائج المواسم فجدير بمن تزكى في شهره أن تنطلق سجاياه وفق المشروع فلا خيلاء ولا إسراف وهدر للمال والأوقات* العلاقات معلم شرعي ومبدأ اجتماعي وهي تسموا حين تعمر بحديث هادف رعاية للقيم وتقويما للعوج فحين يندمج المجتمع بجميع أطيافه في مصليات الأعياد وردهات البيوت وساحات الأحياء وحين ينبري شباب كل أسرة لتقديم موائد فكرية تربوية تتضمن عزيزة المرأة والطفل/ حتى لا تكون مناسباتنا ميدان استعراض للأزياء ومجاراة ترهق الضعفاء صعودا او غفلة تفتح فرصا للمتربصين من أهل الأهواء والشهوات ولقد حفلت المواقع الالكترونية بوافر من البرامج والمناهج الهادفة لإثراء اللقاءات وشغل الأوقات بالآداب والترفيه البريء
{رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].
.