طوارئ التخصصي لا يحمل من اسمه نصيب
قد يظن قارئ أنني أبالغ أو أنني أعاني من فراغ جعلني أصفف هذه الكلمات لكن الساعات العشر التي قضيتها هناك كشفت لي معنى كلمة طوارئ في واقع المستشفى
وقبل أن يغضب علي الفضلاء في المستشفى أو في قسم الطوارئ فإن ثمة استثناء وثمة عاملون استثنائيون أكنّ لهم كل التقدير وأدعو لهم بالتوفيق
كان موعدي مع الطوارئ الساعة الرابعة فجرا أتقلب فيها من الألم من جهة ومن الهم والأسى من المعاملة من جهة أخرى
إن تكلمت عن الكادر الطبي أو التمريضي أو الأمن أو عمال النظافة أو النظافة عموما فإن المرارة تقطع كبدي
وما على الإنسان المدنف إلا أن يتصبر ويجامل ويصطنع الابتسامة لعل قضيته تنتهي
هل تخيلت مريضا يتقلب من ألمه يمضي عشر ساعات للتشخيص المبدئي لحالته
وهل تتخيل تحليلا للدم يستغرق ساعتين ثم تفاجأ بمقولة التحليل خاطئ وسنعيده مرة أخرى ، ثم ثالثة
لن أطيل عليك أخي القارئ ولكن سأوجز آلامي في الآتي:
1- الطبيب العام المناوب لا يتمكن من متابعة المرضى لكثرتهم فضلا عن ضعف مستواه فالهاتف لا يقف من استشارة طبيب آخر،
كما أن الأطباء من غير العرب والتعامل معهم وإفهامهم صعب جدا
كما أن تعاون الممرضين معه محبط لدرجة كبيرة مما يجعل المرضى بين مطرقة طبيب جاهل وممرض لا مبالي
2- الاستشاريون لا يأتون إلا بعد جهد جهيد وساعات انتظار طويلة ولوقت قصير جدا
3- هيئة التمريض وهم أقرب الناس للمرضى إلا أنهم أبعد الناس عن الاهتمام بمرضاهم يهتمون بكل شيء إلا مرضاهم،
أشكالهم غريبة بدلة بيضاء وأخرى خضراء وثالثة سوداء ولا تعرف من هذه الألوان إلا أنها رمز للفوضى
تثاقل عن العمل وبطء في الاستجابة حتى أن الطبيب يكرر طلبه للممرض العاق ليستجيب بعد نتهد وتململ
وربما رفع الطبيب يده بورقة إلى الممرض ليأخذها فتكلّ يده وتتعب قبل أن تصل يد الممرض إليها .
يفتح الباب بقوة ويدخل ممرضان بألوان مختلفة ويصحبهم حارس أمن فيلقون التحايا مع زملاء آخرين وأصواتهم بالضحك مرتفعة وتتكرر العملية لمرات وكأننا في غير طوارئ.
وحين يدق جوال ممرض فإن الرنين الصاخب المزعج يقطع راحة المرضى.
من الأمور المضحكة المبكية أن المريض أو مرافقه عليه أن يبحث عن الممرض ليأخذ له التحليل أو يضع له المغذي أو غير ذلك فعندما قرر الطبيب أخذ التحليل وضع الورقة على طاولة أمام السرير فقال لي من بجواري خذ الورقة وأعطها الممرض فإنك ستجده في الخارج ابتسمت وقلت في نفسي هل أبحث عن الممرض أم هو الذي يبحث عني. حتى الممرضين يتضح لك من أول نظرة جهله فالطبيب يكرر عليه نوع التحليل أو الجرعة مرة ومرتين وبالتهجية حتى يفهمها وليته يسارع بعد ذلك.
الممرض الذي يأخذ الحرارة والضغط لا يتواجد في مكانه لأنه ملول ولذلك فهو دائما عند زملائه في غرفة المرضى وعندما تكثر الجلبة في الخارج ويحس بها يذهب متثاقلا.
خروج الممرضين خارج الطوارئ كثير جدا فتجدهم عند مواقف السيارات إما للتدخين أو غير ذلك.
ونظرا لعدم الانتاجية عند الممرضين فإن الحمل الكبير سيكون على الممرضات واللاتي يتذمرن كثيرا من الطلبات الكثيرة وهن يشاهدن من يتربع على الكراسي ويعبث بالجوال.
4- النظافة مهمة في المستشفى وأهم بكثير في قسم الطوارئ حيث التردد الكثيف عليه يستلزم المتابع الدقيقة للأمور الصحية وعلى رأسها النظافة
ولك أن تتخيل أن الأغطية تجد بقع الدم عليها وكذلك أرضية الغرفة وبعض الأدوات تجد بقع الدم فيها،
الحشرات كالذباب تجول في سماء الطوارئ دون حسيب أو رقيب
5- الكراسي المتحركة صورة من صور المهازل إذا ألقيت نظرة عليها فستظن أنك في سوق المقاصيص
فلا يوجد كرسي لم يسلم من الكسر أو التمزق أو الصرير ،
6- سادسة الأثافي عندما أخذت ورقة بالخروج من الطوارئ وأنا أسير في أحد أسياب الطوارئ إذا بمسؤول كبير في الطوارئ ينقض على الورقة وينتزعها انتزاعا من يدي ويلتهم ما فيها بلا استئذان أو سلام أو حتى ابتسامة
وكأني أمام مأمور مستودعات ، وبعد برهة يتمم بدعوات من أطرف لسانه ،
وكأني هربت من عقوبة الإعدام،
وساءلت نفسي أين هذا الهزبر عن موظفيه المهملين حتى يفرغ سلطته على أوجاع المرضى
أخيرا أكرر ما قلته في أول مقالي شكرا للشرفاء المنتجين والنبلاء والذين يعرفوا جيد معنى كلمة طوارئ شكرا لكم من كل قلبي
والعتب على غير المبالين والذين لا يتأثرون بحال المرضى
كما أعتب على إدارة الطوارئ في الإهمال وعدم الضبط لهذه الفوضى والمراقبة الشديدة للمقصرين ومحاسبتهم
كما أعتب على إدارة المستشفى بأن تهتم بحال الطوارئ من حيث نظافته واختيار الأطباء والممرضين المتميزين والمخلصين والمنتجين والذين يخففون عن المرضى آلامهم ولا يزيدونها
كما أعتب على وزارة الصحة بأن تضع لطب الطوارئ سلم وظيفي خاص تقديرا للعاملين فيه ممن يفهمون معنى طوارئ وأن تطزن البدلات والحوافز داعما لهم ، فربما كان الكثير منهم يفر بجلده من هذا المكان ليبحث عن مكان أكثر هدوءا
وأخيرا فإن العاملين في المستشفى هم على فوهة النار ومن يأتيهم يكون ضيق الصدر لا ينظر إلا نفسه فقط ويريد أن يعالج هو وحده دون غيره
وأنا هنا أتهم نفسي كما أن التهمة باقية على موظفي الطوارئ