.
.
ذكــــر المتخصـــــــصين فــي طــب النفـــــس أن النفــــــسية هـــي مــــن تملــــك المنـــــــاعة
لجســـــــــد الإنســـــان، فهــــي للجســـم بمكــــــانة الـــــدرع الواقـــــــي الــــذي يلعـــــــب دور الحمــــــــــــــاية
لحــــرم هــــــذا الجســـــــــــد الضعــــــــــــيف..
بمعــــنى أنهــــا هـــــي مـــــن تدفــــع الأمـــــــــــراض أو تستجلبهــــــا إلــى داخـــــل الجســــد ..
فـــــــإذا كـــانت مطمــــــــئنة سعــــــــيدة فإنهـــــا تدفــــــع الأمــــــراض الجـــــــائرة عــــن
مجمـــــوع الأعضـــاء ، وإذا كـــــانت تعيســــــة بــــائسة فـــــإنها تستجلــــــب لــــــــــــــه
كـــــل خبـــــيث وضـــار ؛ وبذلـــك يتبــــــين أنهــــا ســـــببٌ رئيــــــــــــــــــس لصحــــــــة الجســــــد إو إعتـــــــلاله ..
وأستطــــيع أن أضـــرب لذلــــك بمثـــــالٍ محســــــــــوسٍ وواقعٍ عشــــــته مـــــــــــن
ســـــــــيرة - الصـــــــــــديق - أبــي بكــــر بـــين ردهـــات الكـــــتب الـــــتي بحــــثت فــــــي
عَطِـــــرِ ســــــيرته ودقـــــائق حيـــــاته وفَضَـــــلةِ معيشتــــه ..
فـــــإن أبـــو بكـــــرٍ -رضي الله عنه وأرضاه - عــاش حيـــــناً جمـــــيلاً مـــن الدهــــــــر
فـــــــــي جنــــــــاب حبـــــيبه المصطــــفى - صلى الله عليه وسلم - يَتقَلَّــــبُ مــــــــــــع
مـــــع هـــذا النــــور ويعيــــــش أجمــــــل لحظـــــــــــــاته ، ولـــم يكـــــــــــــــــــــــــــن
يستـــبق الأيــــام للتفكـــير باللحظـــة التـــي ســــوف
يفــــــــارق فـــيـــــــــــــــها النـــــــــــبي - صلى الله عليه وسلم - ..
فلمــــا تُوفــــي النبـــي - صلى الله عليه وسلم - وشــــاع الخـــبر في المديـــــنة وتيقــــن
النـــــــاس مــوته ، وانقلـــــبوا علــى أعقـــابهم ، واختلفــــوا بعـــــده ، وقـــــــــــــــــف
- رضي الله عنه - موقفـــــــه العظـــــيم والمشرف وانكشفــــت تلـــك الغُمـــه عــن المسلـــــــــمين
لكـــنه حــــين رجــع لحــــــاله بعدهــــا وأراد أن يتكيف وينسجــم مــــع ذلــــــك الوضــع ، فهـــو القــــدوة الأولـــى الأن بعــد حبيـــبه ونبيـــه ..
لــم يستطـــع فلقــــــــد خبـــــــى ذلــــك النــــور مـــــع النبـــــــي
- صلى الله عليه وسلم - حتــى أنطفــــئ وأدرك أنه وحـــــيداً فــــي هــــذه الدنـــــيا بـــــــلا
صـــــــاحب أو صديق ، وقــــد رَحـــل عنه المصطفـــى مـــع بصــــيص مـــن الذكريـــــــــــــات كالأمـــــس الدابـــر ..
فكــــان يحـــــــنُّ للنبــــي - صلى الله عليه وسلم - في كـــــــل وقــــته وحــــــينه
، فلمّــا تمكـــنّ مـــنه الحــــزن وأستحكـــم ، وخــــيّــم على تفكــيره ،
كــــان يجلـــــس مــــع اصحــــابــــه ويقـــــول :
ولــــي كـــبدٌ مقـــــروحةٌ مــــن يبيعهـــــا .....(*)..... بهـــــا كـــــــبداً ليســـــت بــــذات قـــــروحٍ
أبـــــاها علـــــيَّ النــاس لا يشــــــترونها .....(*).... ومـــن يشـــــتري ذا علـــــةٍ بصحــــــــــيحٍ
فعلـــــم الصحـــــابة أنه شــــئٌ مــــن الفقــــــد ، وأنــه حنــين لصــــــاحبه ، وهــــــذا الحــــــــزنُ
بســـــــبب رحــــيله .. فكــان ضعــيف الجســـد ، متهـــاوي الأطـــراف ..
ولــــم يلــــبث بعـــــد وفــــــــات النـــــبي -صلى الله عليه وسلم - إلا ســـــــنة ومــــئة يـــــــوم
علـــــى أصــح الأقـــــوال ، واختُلـــــف فــــي سبــــب مـــــوته ، فقـــــيل بســـــب ضــــــــرسٍ
أســـــــــود لــــه نصــــفُ وجــــهه ، وقــــــيل أنــه أغتســـــل وخــــــرج فــأصــــابه الهـــــواء
ومــــــــرض بعـــــدها ، وقــــــــــيل غـــــير ذلـــــك ..
فالله المستعانُ علـــــى حـــــين الفقـــــد ..
وأســـأله أن يجمعـــه بمــن حـــدت لــه أشــواقه ، واستـــنزف من أجله كل دمعه في أحزانه ، ونحــن معـــه بفضـــل منك ورحمـــة ..
.
.
.
( عبدالرحمن )
23-1-1430هـ
.