مما أثبته ربنا عز وجل لنفسه وأثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- تكليمه عبده ورسوله موسى بن عمران بدون واسطة رسول بينه وبينه بل أسمعه كلامه الذي هو صفته اللائقة بذاته كما شاء وعلى ما أراد. قال الله عز وجل في سورة البقرة: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} [البقرة: 253]. وقال في سورة النساء: {وكلم الله موسى تكليما} [النساء: 164]. فأكده بالمصدر مبالغة في البيان والتوضيح, قال تعالى في سورة مريم: {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا، وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا، ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا} [مريم: 51-53]. وفي الصحيحين من حديث احتجاج آدم وموسى عليهما السلام عند ربهما وفيه قول آدم لموسى: "أنت موسى الذي اصطفاك الله تعالى برسالاته وبكلامه" الحديث. وفيهما من حديث الشفاعة قول إبراهيم عليه السلام: "ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله" وفي رواية "ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما" وفي رواية: "ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا". قد أخبرنا الله عز وجل أنه اصطفى عبده موسى بكلامه واختصه بإسماعه إياه بدون واسطة وأنه ناداه وناجاه وكلمه تكليما. وأخبرنا تعالى بما كلمه به, وبالموضع الذي كلمه فيه, وبالميقات الذي كلمه فيه, وأخبر عنه رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بذلك في أصح الروايات, فأي كلام أفصح من كلام الله تعالى وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأي بيان أوضح من بيان الله ورسوله, وبأي برهان يقنع من لم يقنع بذلك: {فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون} [الجاثية: 6] وفي هذا أعلى دلالة وأبينها وأوضحها على ثبوت صفة الكلام لربنا عز وجل وأنه يتكلم إذا شاء بما يشاء وكيف يشاء بكلام يسمعه من يشاء.