يحكى أن إحدى بنات المعتمد بن عباد رأت بعض الجواري يخضن في الطين ويحملن القرب فاشتهت أن تفعل ذلك مثلهن
فطلبت من والدها ذلك فأمر المعتمد أن ينثر المسك على الكافور والزعفران حتى يصبح كهيئة الطين ثم أمر بقربة من طيب المسك فأعطاها لابنته فخاضت في خليط المسك والكافور تحقيقا لشهوتها ولكن الله المعز المذل أراد أن تنقلب الأمور على المعتمد
فأخذ أسيرا إلى سجن تحت الأرض في بلدة نائية يقال لها (أغمات) حول مراكش في المغرب ، وافتقر أولاده جدا حتى غزلت بناته الصوف بالأجرة للناس وهن بنات الملوك ، فزارته بناته (في يوم عيد الفطر) حافيات وفي لباس متمزق وهو في سجنه ذاك فلما رآهن تصدع فؤاده ، وتألم من مرآهن فقال أبياتا جميلة منها :
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا = وكان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ = فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعةً = في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
معاشهنّ بعيد العزّ ممتهنٌ = يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعةً = عيونهنّ فعاد القلب موتورا
قد أُغمضت بعد أن كانت مفتّرةً = أبصارهنّ حسيراتٍ مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافيةً = تشكو فراق حذاءٍ كان موفورا
قد لوّثت بيد الأقذاء واتسخت = كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
لا خدّ إلا ويشكو الجدب ظاهره = وقبل كان بماء الورد مغمورا
لكنه بسيول الحزن مُخترقٌ = وليس إلا مع الأنفاس ممطورا
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه = ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا
وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَجٌ = فعاد فطرك للأكباد تفطيرا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً = لما أمرت وكان الفعلُ مبرورا
وكم حكمت على الأقوامِ في صلفٍ = فردّك الدهر منهياً ومأمورا
من بات بعدك في ملكٍ يسرّ به = أو بات يهنأ باللذات مسرورا
ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعت = فإنما بات في الأحلام مغرورا
سبحان مغير الأحوال بعد أن رأى أنه لا يريد لبناته أن يمشين على الطين وهن بنات الملك ففرش لهن الأرض مسكا وكافورا فهن الآن يمشين على الأرض حافيات الأقدام حيث قال :
يطأن في الطين والأقدام حافيةً = تشكو فراق حذاءٍ كان موفورا
قد لوّثت بيد الأقذاء واتسخت = كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا