يقول صلَّى الله عليه وسلَّم:
{لَوْ يَعْلَمُ العِبَادُ مَا فِي رَمضانَ لتمنَّتْ أُمَّتِي أَنْ تَكونَ السَّنَةُ كُلُّها رمضانَ }(1)
وقد ورد في هذا المعنى أن رجلين تآخيا في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكانا يعملان معاً، ويمشيان معاً، ويعينان بعض على طاعة الله عزَّ وجلَّ، فمات أحدهما شهيداً في ميدان القتال، ومات الآخر بعده بعام، جاءه أجله على فراشه ومات موتة طبيعية،
فرأى سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضِىَ الله عنه وأرضاه الرجلين في الجنة، غير أن الذي مات آخراً وموتته طبيعية أعلى منزلة في الجنة من الذي مات شهيداً في سبيل الله عزَّ وجلَّ. فقام من نومه متعجباً لأنه يعلم كما علمه الحبيب أن أعلى درجة في الجنة هي درجة الشهداء والتي يقول فيها النبى صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِنَّ فِـي الـجنةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أعَدَّهَا للـمـجاهدينَ فـي سبـيلهِ، ما بـينَ كُلِّ دَرَجَتَـيْنِ كَمَا بـينَ السماءِ والأرضِ}(2)
فذهب إلى صلاة الفجر وهو يزيد عجبه من هذا الأمر، وبعد انتهاء الصلاة وكان من عادة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع أصحابه الكرام إذا انتهوا من صلاة الفجر أن يجلس معهم لحظات، ويسألهم عما حصلوه في نومهم من عجائب ملكوت الله،
ومن عوالم فضل الله، وكرم الله عزَّ وجلَّ، فقد كانوا تنام أبدانهم وتستيقظ أرواحهم لتذهب إلى ملكوت الله عزَّ وجلَّ وتأتي بطرائف الحكمة وغرائب العلم وكثير من فضل الله عزَّ وجلَّ الذي يشهدهم الله إياه في المنام فإذا صلوا الفجر قال لهم صلَّى الله عليه وسلَّم:
{من منكم رأى الليلة رؤيا؟}
فيقصون عليه رؤياهم فيأولها لهم ويفسرها لهم عليه صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما قصّ عليه سيدنا عبد الرحمن بن عوف رؤياه قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مِنْ أَىِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَاداً ثُمَّ اسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِى السَّنَةِ؟، قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}(3)
وكأن الفضائل التي يعطيها الله لنا في شهر رمضان لا يعادلها حتى الجهاد في سبيل الله، ولا إراقة الدماء بين الصفوف في القتال، للأجر العظيم والثواب الكريم الذي كتبه لنا المولى العظيم سبحانه وتعالى في هذا الشهر
(1)رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي من طريقه عن أبي مسعود الغفاري.
(2)رواه ابن حبان في صحيحه والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة.
(3)عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمن عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله، المسند الجامع، وفى رواية أبى هريرة فى مجمع الزوائد: أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ، وكَذا وكَذا رَكْعَةٍ صَلاةُ سَنَةٍ؟}. http://www.fawzyabuzeid.com/%D9%83%D...1%D8%B7%D8%B1/