قال تعالى بسورة المؤمنون الآية19:
فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ..
صدق الله العيظم ..
وهذا بعض ماورد فيها من تفاسير من اقوال العلماء :
تفسير بن كثير
يذكر تعالى نعمه على عبيده التي لا تعد ولا تحصى في إنزاله القطر من السماء بقدر، أي بحسب الحاجة لا كثيراً فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلاً فلا يكفي الزروع والثمار، بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به، حتى إن الأراضي التي تحتاج ماء كثيراً لزرعها ولا تحتمل دمنتها إنزال المطر عليها يسوق إليها الماء من بلاد أخرى، كما في أرض مصر، ويقال لها الأرض الجرز يسوق اللّه إليها ماء النيل معه طين أحمر يجترفه من بلاد الحبشة في زمان أمطارها، فيأتي الماء يحمل طيناً أحمر، فيسقي أرض مصر، ويقر الطين على أرضهم ليزرعوا فيه، لأن أرضهم سباخ يغلب عليها الرمال، فسبحان اللطيف الخبير الرحيم الغفور، وقوله: { فأسكناه في الأرض} أي جعلنا الماء إذا نزل من السحاب يخلد في الأرض، وجعلنا في الأرض قابلية إليه، تشربه ويتغذى به ما فيها من الحب والنوى، وقوله: { وإنا على ذهاب به لقادرون} أي لو شئنا أن لا تمطر لفعلنا، ولو شئنا أذى لصرفناه عنكم إلى السباخ والبراري والقفار لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه أجاجاً لا ينتفع به لشرب ولا لسقي لفعلنا، ولو شئنا إذا نزل فيها يغور إلى مدى لا تصلون إليه ولا تنتفعون به لفعلنا، ولكن بلطفه ورحمته ينزل عليكم المطر من السحاب عذباً فراتاً زلالاً، فيسكنه في الأرض ويسلكه ينابيع في الأرض، فيفتح العيون والأنهار، ويسقي به الزروع والثمار، تشربون منه ودوابكم وأنعامكم، وتغتسلون منه وتتطهرون منه وتتنظفون، فله الحمد والمنة. وقوله تعالى: { فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب} يعني فأخرجنا لكم بما أنزلنا من السماء جنات أي بساتين وحدائق { ذات بهجة} أي ذات منظر حسن، وقوله: { من نخيل وأعناب} أي فيها نخيل وأعناب، وهذا ما كان يألف أهل الحجاز ولا فرق بين الشيء وبين نظيره، وكذلك في حق كل أهل إقليم عندهم من الثمار من نعمة اللّه عليهم ما يعجزون عن القيام بشكره، وقوله: { لكم فيها فواكه كثيرة} أي من جميع الثمار، كما قال: { ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} ، وقوله: { ومنها تأكلون} معطوف على شيء مقدر، تقديره: تنظرون إلى حسنه ونضجه ومنه تأكلون، وقوله: { وشجرة تخرج من طور سيناء} يعني الزيتونة، والطور هو الجبل، وقال بعضهم: إنما يسمى طوراً إذا كان فيه شجر، فإذا عري عنها سمي جبلاً لا طوراً واللّه أعلم. { وطور سيناء} هو طور سينين، وهو الجبل الذي كلم اللّه عليه موسى بن عمران عليه السلام وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون، وقوله: { تنبت بالدهن} أي تنبت الدهن، كما في قول العرب: ألقى فلان بيده أي يده، ولهذا قال: { وصبغ} أي أدم قاله قتادة { للآكلين} أي فيها ما ينتفع به من الدهن والاصطباغ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة) ""أخرجه الإمام أحمد عن مالك بن ربيعة الساعدي مرفوعاً"". وروى عبد بن حميد في مسنده عن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (ائتدموا بالزيت وادهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة). وقوله: { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون} يذكر تعالى ما جعل لخلقه في الأنعام من المنافع، وذلك أنهم يشربون من ألبانها الخارجة من بين فرث ودم ويأكلون من حملانها، ويلبسون من أصوافها وأوبارها وأشعارها، ويركبون ظهورها، ويحملونها الأحمال الثقال إلى البلاد النائية عنهم، كما قال تعالى: { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم} ، وقال تعالى: { وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * ولهم منافع ومشارب أفلا يشكرون} .
تفسير الجلالين
{ فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب } هما أكثر فواكه العرب { لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون } صيفاً وشتاء .
تفسير الطبري
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّات مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِه كَثِيرَة وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَحْدَثْنَا لَكُمْ بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء , بَسَاتِين مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب { لَكُمْ فِيهَا } يَقُول : لَكُمْ فِي الْجَنَّات فَوَاكِه كَثِيرَة . { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } يَقُول : وَمِنَ الْفَوَاكِه تَأْكُلُونَ , وَقَدْ يَجُوز أَنْ تَكُون الْهَاء وَالْأَلِف مِنْ ذِكْر الْجَنَّات , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر النَّخِيل وَالْأَعْنَاب . وَخَصَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْجَنَّات الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب دُون وَصْفهَا بِسَائِرِ ثِمَار الْأَرْض ; لِأَنَّ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الثِّمَار كَانَا هُمَا أَعْظَم ثِمَار الْحِجَاز وَمَا قَرُبَ مِنْهَا , فَكَانَتْ النَّخِيل لِأَهْلِ الْمَدِينَة , وَالْأَعْنَاب لِأَهْلِ الطَّائِف , فَذَكَرَ الْقَوْم بِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ , بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ ثِمَارهَا . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّات مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِه كَثِيرَة وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَحْدَثْنَا لَكُمْ بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء , بَسَاتِين مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب { لَكُمْ فِيهَا } يَقُول : لَكُمْ فِي الْجَنَّات فَوَاكِه كَثِيرَة . { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } يَقُول : وَمِنَ الْفَوَاكِه تَأْكُلُونَ , وَقَدْ يَجُوز أَنْ تَكُون الْهَاء وَالْأَلِف مِنْ ذِكْر الْجَنَّات , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر النَّخِيل وَالْأَعْنَاب . وَخَصَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْجَنَّات الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب دُون وَصْفهَا بِسَائِرِ ثِمَار الْأَرْض ; لِأَنَّ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الثِّمَار كَانَا هُمَا أَعْظَم ثِمَار الْحِجَاز وَمَا قَرُبَ مِنْهَا , فَكَانَتْ النَّخِيل لِأَهْلِ الْمَدِينَة , وَالْأَعْنَاب لِأَهْلِ الطَّائِف , فَذَكَرَ الْقَوْم بِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ , بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ ثِمَارهَا .'
تفسير القرطبي
فيه مسألتان: الأولى: قوله { فأنشأنا} أي جعلنا ذلك سبب النبات، وأوجدناه به وخلقناه. وذكر تعالى النخيل والأعناب لأنها ثمرة الحجاز بالطائف والمدينة وغيرهما؛ قاله الطبري. ولأنها أيضا أشرف الثمار، فذكرها تشريفا لها وتنبيها عليها. { لكم فيها} أي في الجنات. { فواكه} من غير الرطب والعنب. ويحتمل أن يعود على النخيل والأعناب خاصة إذ فيها مراتب وأنواع؛ والأول أعم لسائر الثمرات. الثانية: من حلف ألا يأكل فاكهة؛ في الرواية عندنا يحنث بالباقلاء الخضراء وما أشبهها. وقال أبو حنيفة : لا يحنث بأكل القثاء والخيار والجزر، لأنها من القبول لا من الفاكهة. وكذلك الجوز واللوز والفستق؛ لأن هذه الأشياء لا تعد من الفاكهة وإن أكل تفاحا أو خوخا أو مشمشا أو تينا أو إجاصا يحنث. وكذلك البطيخ؛ لأن هذه الأشياء كلها تؤكل على جهة التفكه قبل الطعام وبعده؛ فكانت فاكهة. وكذلك يابس هذه الأشياء إلا البطيخ اليابس لأن ذلك لا يؤكل إلا في بعض البلدان. ولا يحنث بأكل البطيخ الهندي لأنه لا يعد من الفواكه. وإن أكل عنبا أو رمانا أو رطبا لا يحنث. وخالفه صاحباه فقالا يحنث؛ لأن هذه الأشياء من أعز الفواكه، وتؤكل على وجه التنعم. والإفراد لها بالذكر في كتاب الله عز جل لكمال معانيها؛ كتخصيص جبريل وميكائيل من الملائكة. واحتج أبو حنيفة بأن قال : عطف هذه الأشياء على الفاكهة مرة فقال { فيهما فاكهة ونخل ورمان } [الرحمن- 68] ومرة عطف الفاكهة على هذه الأشياء فقال { وفاكهة وأبا} [عبس-31] والمعطوف غير المعطوف عليه، ولا يليق بالحكمة ذكر الشيء الواحد بلفظين مختلفين في موضع المنة. والعنب والرمان يكتفى بهما في بعض البلدان فلا يكون فاكهة؛ ولأن ما كان فاكهة لا فرق بين رطبه ويابسه، ويابس هذه الأشياء لا يعد فاكهة فكذلك رطبها.
تفسير محمد متولي الشعراوي
الجنة: المكان المليء بالأشجار العالية والمزروعات التي تستر مَنْ يسير فيها، أو تستره عن الخارج، فلا يحتاج في متطلبات حياته إلى غيرها، فهي من الكمال بحيث تكفيه، فلا يخرج عنها. واختار هذه الأنواع { نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ } [المؤمنون: 19] لما لها من منزلة عند العرب، وقال { فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ } [المؤمنون: 19] لأنه لم يحصر جميع الأنواع.