الشائعات
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وعلي اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : فيا أيها الأخوة المؤمنون , أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته , ﴿ يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون ﴾ لقد جاء الإسلام بحفظ دماء الناس وأعراضهم وأموالهم وكافة حقوقهم وما يكفل لهم طيب العيش وهناء البال, ونهي عن كل ما يسوؤهم أو يسئ إليهم أو ينقص من تلك الحقوق أو يثير الفوضى ويخل بالأمن , بل جعل المؤمن من أمنه الناس , والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .
وإذا حرم الله أمرا حرم الوسائل الموصلة إليه والموقعة فيه , وان من أعظم الطرق المفضية إلي انتشار الفوضى واضطراب الأمور بث الشائعات المختلفة والافتراءات الأثيمة التي عريت تماما عن أي وجه من وجوه الحق .
إن تاريخ الإشاعة قديم قدم هذا الإنسان , وقد ذكر في كتاب الله عز وجل نماذج من ذلك منذ فجر التاريخ , ولو قرأت التاريخ لوجدت صفحاته مليئة بشائعات غيرت حياة كثير من الناس. وربما ألغتها , ودفنتهم تحت التراب ، إن هناك فئات وأصنافا من الناس في كل مجتمع قلوبها مريضة , وأرواحها ميتة , وذممها مهدرة , لا تخاف من الله , ولا تستحي من عباد الله , مهنتهم ووظيفتهم وهوايتهم نشر الشائعات في أوساط الناس , تتغذي علي لحوم البشر , وترتقي علي أكتاف وحساب غيرها .
ومن أعظم الوسائل المعينة لهم علي فتنتهم شبكات الانترنت , حيث صارت هذه الشبكات لهم مسرحا يعبثون فيه بأمن الناس وأديانهم وعقولهم , فانساق وراءهم بعض العامة والجهلة , ففتنوا بفتنتهم , ووقعوا في تقليدهم , فصارت تلك المواقع والمنتديات مصدرا رئيسا لهؤلاء الغوغاء , يصدرون عن آرائها وما يبث فيها , ولا يكاد ينزل فيها خبر عن شخص أو دولة أو حكومة أو امة إلا وينتشر انتشار النار في الهشيم في كافة المنتديات وبشتى صور العرض , وبتفنن في جذب الانتباه ، صار كثير من الناس وخصوصا الشباب – يصدرون الأحكام بناء علي ما يكتب علي صفحات تلك المنتديات, دون معرفة وتوثق من مصدرها. فإذا كان العلماء قد ضعفوا رواية معلوم العين ومجهول الحال فما بالك برواية مجهول العين والحال ؟
﴿يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين﴾ .
إننا نعيش في زمن كثر فيه ترويج الإشاعة , ولكي لا تؤثر هذه الإشاعات علي المسلم بأي شكل من الأشكال فلا بد أن يكون هناك منهج واضح محدد لكل مسلم يتعامل به مع الإشاعات , وهذا المنهج يتلخص في أمور :
الأول: أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم, قال الله تعالي: ﴿ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ﴾ .
الثاني: أن يتوثق من صحة النقل, ويطلب المسلم الدليل عليه, وقال الله تعالي: ﴿لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء﴾
وأخيرا , فان عظم شان الشائعة أورد فيها عقوبة عظيمة لمتولي كبرها , عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله : ( انه أتاني الليلة آتيان , وأنهما ابتعثاني , وأنهما قالا لي : انطلق .... ) ثم ذكر الحديث , وكان مما قال : (( فأتينا علي رجل مستلق علي قفاه , وإذا آخر قائم بكلوب من حديد , وإذا هو يأتي احد شقي وجهه فيشر شر شدقه إلي قفاه , ثم يتحول إلي الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول , فم يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان , ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولي )) , ثم جاء خبره في آخر الحديث , حيث قال له الرجلان : (( انه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة فتبلغ الآفاق )) رواه البخاري . نسال الله العفو والعافية.