بسم الله الرحمن الرحيم
عند تأمل منهج القرآن الكريم في المقارنة بين أهل الحق والباطل ، والمصلحون والمفسدون ، والمحسنون والمسيئون ، والسابقون والمتأخرون ، نجد أنه شتان بين أصحاب الهمم العالية والنفوس السامية ، وبين أهل الهمم الدنيا والنفوس الساقطة .
فأهل الحق في عليائهم يتسابقون ، ونحو الثريا يتنافسون ، قال تعالى " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ " .
فالمتقون علت همتهم في الدنيا ،فعلت مكانتهم في الآخرة ،وحظوا بأشرف جوار وأكرم دار .
قال أحمد الدرعي : "كن رجلا رجله في الثرى وهمه في الثريّا ، وما افترقت الناس إلا في الهمم ، من علت همته علت رتبته ، ولا يكون أحد إلا فيما رضيت له همته " .
وأهل العمل الصالح والذكر الطيب والبذل النافع والصدقة الحسنة ، أخلصوا النيات وبادروا بالمكرمات ، فذُكروا بأفضل الصفات وخير المكرمات .
قال تعالى " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا "
قنتوا لله وخشعوا ، فسمت أرواحهم بذلاً وعطاءً وصدقاً ، وعفت جوارحهم فغضوا أبصارهم وحفظوا فروجهم ، فطابت ألسنتهم بذكر ربهم .
أمضوا حياتهم في عبادة وقربة ، وترفع وسمو عن الخطايا ، فأثابهم الله مغفرة وعفواً وعزاً .
صدقت اهتماماتهم فعظمت درجاتهم ( لهم مغفرة وأجراً عظيماً ) .
وفي الآية تخصيص للنساء بالذكر ، فمنهن المسلمات والمؤمنات والقانتات والصادقات والصابرات والخاشعات والمتصدقات والصائمات والحافظات فروجهن والذاكرات الله كثيراً .
فالمسلمة المؤمنة المتبعة لشرع الله والمنقادة لأحكامه ، صادقة في قولها ، وصابرة على دينها وطاعة ربها ، خاشعة خائفة ترجو رحمته وتخشى عذابه ، فتبذل مالها قربة لله ووقاية من ناره ، وتصوم نهارها ليباعد الله بينها وبين النار سبعين خريفاً ، ومن هذه صفاتها واهتماماتها فتستحق لقب الحافظة الذاكرة ، حافظة لبصرها وسمعها وفرجها مما حرم الله ، ذاكرة بلسانها لا تغفل عن ذكره ولا تعجز عن شكره .
فالمسلمة لها هموم واهتمامات ، فمن علت همتها لنيل الآخرة فلن ترضى بسفاسف الأمور ولن تسعى لراحة الجسد فقط ، بل غالب همها علم ينفعها وعمل يرفعها ويثقل موازين حسناتها .
وللمسلمة هموم تشغلها وتؤرق فكرها أسمى من زينة فانية ، أو مشاهدة كرة قدم ، أو متابعة مسلسل ساقط ، فهذه هموم من تتبع هم النفس والطبع لا هم القلب والروح .
قال أحدهم :"يا غلام : لا يكن همك ما تأكل وما تشرب وما تلبس وما تنكح ، وما تجمع . كل هذا هم النفس والطبع فأين هم القلب ؟ همك ما أهمك ، فليكن همك ربك عزوجل وما عنده " . .
شتان بين مسلمة همها دعوة دينها وجمال خلقها ورضى ربها ومساعدة محتاجة ونشر فضيلة ، وبين من همها دخول ملاعب وصعود جبال ومزاحمة رجال في بيع وشراء .
فإما علو للمكرمات وإما نزول للملهيات ، ولا تجتمع المكارم والفضائل مع الملاهي والمفاسد. قال الإمام مالك رحمه الله : " عليك بمعالي الأمور وكرائمها ، واتق رذائلها وما سفّ منها ، فإن الله تعالى يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها " .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" النفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة ،
والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات ، وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار " .
د. أميرة بنت علي الصاعدي
أستاذ مساعد بجامعة أم القرى والمشرفة العامة على مركز إسعاد النسائي