[align=center]جامعة ولاية تارليتون
لسنوات عديدة، كان الرجال والنساء مختلفين في قضايا عدة، وقد اختُلقت نكات كثيرة تناولت كيف تتذكر المرأة أخطاء الماضي وتثير الشجارات القديمة عندما تتجادل مع زوجها، وفي الوقت ذاته، تشتكي النساء من شهوة الرجال الجنسية، وعدم ميلهم للعلاقات الحميمية أو رفضهم "تسوية الأمور من خلال الحوار"، وقد شكلت هذه الفروق أساساً لعدد من الكتب الشعبية- وآخرها "الرجال من كوكب المريخ والنساء من الزهرة".
يشير بحث حديث إلى أن هذه الفروق ربما ترتكز على فروق فيزيائية في تركيب الدماغ، وقد وجد علماء في جامعة جونز هوبكينز ومستشفى سيويل وباحثون من جهات طبية أخرى فروقاً صغيرة –لكنها ملحوظة- بين أدمغة الرجال وأدمغة النساء (هايديرل 1990)، وعلى الرغم من أن هذه الفروق السبعة ليست واضحة عند مقارنة الأفراد إلا أنها تصبح مهمة للغاية عند مقارنة مجموعات من الرجال بمجموعات من النساء (كيمورا 1985).
الفروق الفيزيائية
تميل هذه الفروق الفيزيائية إلى الظهور في سن السابعة تقريباً (كروبا 2001)، ويمكن رؤية الفروق عند مقارنة الحجم العام للدماغ، وعدد الخلايا "الرمادية" و"البيضاء" في الدماغ، والحجم النسبي لنصف الكرة الدماغية، وحجم الهايبوثلاموس، إضافة إلى حجم الجسم الجاسئ (كتلة الألياف العصبية الواصلة بين الجسمين نصف الكرويين للمخ)، ويؤدي التباين في بنية الدماغ إلى فروق متعلقة بالسلوكيات والمواقف التي يتخذها أفراد الجنسين، وهذه الفروق قد تؤثر بعمق ليس فقط على كيفية معالجة المعلمـة للدروس وكيفية إدارة الصف في مدرسة حكومية عادية بل تؤثر كذلك على كيفية معالجة الأطباء لإصابات الدماغ أو كيفية مواساة ودعم المسنين.
ليس جسم الذكر العادي فقط أكبر من جسم الأنثى العادية لكن حجم الدماغ لدى الذكر أكبر من حجمه لدى الأنثى (أرينييلو 1998)، ومن المثير للاهتمام كذلك أنه على الرغم من كون دماغ المرأة أصغر إلا أنه يحتوي على كم أكبر من المواد الرمادية والبيضاء (بلاند 1998)، وتعد الخلايا الرمادية مسؤولة عن معالجة المعلومات، في حين أن الخلايا البيضاء عبارة عن أنسجة عصبية تستخدم للتواصل بين الخلايا (بلاند 1998)، ويشير تفوق الإناث في عدد الخلايا والأنسجة الواصلة إلى أن النساء ربما يعالجن المعلومات بطريقة مختلفة عن الرجال ويستخدمن أدمغتهن بطرق متعلقة بنوع الجنس.
إن نصف الدماغ الأيسر لدى النساء مساوٍ تقريباً في حجمه للنصف الأيمن، لكن نصف الدماغ الأيسر لدى الرجال أكبر قليلاً من النصف الأيمن (أرينييلو 1998.)
إن الهايبوثلاموس –وهو منطقة صغيرة في وسط الدماغ مسؤولة عن العدوانية والعطش والجوع والشهوة الجنسية- أكبر عند الرجال منه عند النساء (تشادويك 2001)، وعلى نحو مقارن فإن الجسم الجاسئ لدى النساء أكبر منه لدى الرجال (تشادويك 2001)، ويعمل هذا الجزء من الدماغ كطريق اتصال بين نصفي الدماغ الأيمن والأيسر (هييم 2001)، وكما سنرى لاحقاً فإن هذين الفرقين الفيزيائيين يؤديان إلى فروق عميقة في السلوكيات ومعالجة المعلومات.
لقد لاحظ العلماء الذين يبحثون في وظائف الدماغ أن الرجال يميلون إلى أن يكونوا مستخدمين لـ "أماكن محددة" من الدماغ عند معالجة المعلومات (هييم 2001)، وعند فحص أدمغة الجرذان والإنسان، لاحظ الباحثون أن الذكور يميلون إلى استخدام مناطق محددة من الدماغ في حين أن نشاط الدماغ لدى الإناث منتشر في كلا النصفين الدماغيين (كيمورا 1985)، وإن هذا الاختلاف في معالجة المعلومات يؤدي إلى اختلاف ملحوظ في سلوكيات الرجال والنساء عند التقدم في السن أو بعد التعافي من إصابة ما (إيبي 2001).
النتائج
نتيجة للفروق الفيزيائية في بنية الدماغ فإن الرجال والنساء يستخدمون أدمغتهم بطرق مختلفة، إذ يميل الرجال إلى الاعتماد على المؤشرات المفردة لمعالجة المعلومات وإصدار الأحكام (هييم 2001)، فعندما أعطي الرجال مجموعة من الصور، وطلب إليهم شرح الانفعالات التي تعكسها تلك الصور، لاحظوا المؤشرات الرئيسية الواضحة فقط، في حين أن النساء لم يلاحظن المؤشرات الواضحة فقط إنما تلك الدقيقة كذلك، ونتيجة لذلك مالت النساء إلى تحديد الانفعالات الصحيحة أكثر من الرجال، لكنهن استغرقن وقتاً أطول قليلاً لذلك (هييم 2001).
تتركز المهارة المكانية، في النصف الأيسر من الدماغ (بيك 2001)، وبما أن هذه المنطقة أكبر لدى الرجال منها لدى النساء، فإن الرجال يتمتعون بأفضلية في إصابة الأهداف والمعالجة الذهنية للخرائط، وحساب المسائل الرياضية، وتفكيك المواد إلى مكوناتها الأساسية، (نظام سِتير الصحي 2001)، وفي المقابل، تسجل النساء نقاطاً أقل عند إصابة الأهداف وحساب المسائل الرياضية (تشادويك 2001)، وقد لاحظ الباحثون أنه عندما طلب إلى النساء معالجة الخرائط، قمن بتغيير اتجاهات الخرائط نفسها، في حين استطاع الرجال إجراء التغير المنظوري في أذهانهم. وتتمتع النساء بفهم أكثر "شمولية" للمشكلات الكلامية من الرجال، ويملن إلى فهم كيفية عمل ميكانيكية الأدوات على "المستوى النظري" أكثر من المستوى التطبيقي (إيبي 2001).
ويشير الهايبوثلاموس الذي هو أكبر بأربع مرات لدى الذكور منه لدى الإناث (يونغ 2000) إلى نزوع الرجال أكثر إلى اتخاذ المواقف العدائية، والسلوكيات التنافسية، وإلى شهوة جنسية أكبر نسبياً، فقد استجاب الرجال للصور الجنسية أكثر من النساء (استجابت النساء بشكل أفضل للمقاطع المثيرة في الكتب (تشادويك 2001، هييم 2001)) ، وإن كبر حجم الهايبوثلاموس لدى الرجال يجعلهم أكثر نزوعاً إلى الاستبداد وتوقاً إلى السلطة وميلاً إلى التصرف وفقاً للأهداف التي يضعونها، وفي المقابل تميل المرأة لأن تكون أكثر وعياً من الناحية الاجتماعية، كما أن النساء عملن بتعاون للوصول إلى إجماع (تشادويك 2001). وقد لاحظ الباحثون أن الرجال عندما واجهتم مشكلة ما، توصلوا إلى قرار، ثم مضوا قدماً وأنهوا الأمر، في حين فضلت النساء مناقشة المشكلة والنظر في النواحي المختلفة والتوصل إلى اتفاق حول كيفية حل المشكلة بأفضل ما يمكن.
إن كبر حجم الجسم الجاسئ لدى النساء يؤدي إلى تواصل أفضل وأسرع بين نصفي الدماغ الأيمن والأيسر (كيمورا 1985)، وتظهر صور الرنين المغناطيسي وصور الدماغ الطبقية المقطعية أنه –بعكس الرجال- تميل النساء إلى معالجة المعلومات في أماكن متعددة من أدمغتهن (نظام سِتير الصحي 2001)، وإن بعض هذه الأماكن موجود في النصف الأيسر من الدماغ في حين أن بعضها الآخر موجود في النصف الأيمن، ونتيجة لذلك تنزع النساء إلى امتلاك قدرة كلامية أفضل، وتبدأ الطفلة بالكلام قبل الطفل وبطلاقة أكبر (اكتشف نيوروكويست 2001)، وتدخل البنات الروضة وهن يمتلكن حصيلة من المفردات أكبر من تلك التي يمتلكها الأولاد، كما أن تعلمهن للغات الأجنبية أسهل من تعلم نظرائهن من الذكور (كيمورا 1985).
إن النساء -تماماً كما تشير النكات- لديهن فعلاً ذاكرة أفضل (أطول) من الرجال، إذ يستطعن تذكر الأحداث الماضية والوجوه والأسماء والنصوص المحفوظة أسهل من الرجال، وتنزع النساء إلى معالجة المشكلات اعتماداً على الحدس وبشكل مبدع، في حين ينزع الرجال لأن يكونوا أكثر تقنية ومباشرة (هييم 2001)، وتتفوق النساء على الرجال في السيطرة على الحركة الدقيقة (ويمثل ذلك الكثير بالنسبة لمقياس "روزي غرير" فيما يتعلق بالاستعداد للتطريز) كما إنهن ينزعن لأن يستخدمن اليد اليمنى أكثر عادة من الرجال (تشادويك 2001).
النتائج المترتبة على الفروق في بيئة المدرسة
إن المشرفين على المعرفة العقلية يجب أن يكونوا واعين بالفروق الجنسية بين طلابهم وطلابهن، ويستطيع المشرف استخدام هذه المعرفة للتأكد من أن المعلمين يزودون الطلاب الصغار بالكثير من الفرص لتطوير السيطرة على الحركة الدقيقة وذلك قبل تعليمهم الكتابة، وهناك أنشطة يمكن أن تطور هذه المهارة مثل: التلوين، والرسم، وتعلم كيفية ربط الحذاء، وخياطة البطاقات، أو إدخال الأزرار في العرى، ويجب أن تكون الألعاب التعليمية متوفرة بسهولة في جميع الصفوف، ويجب أن يُشجع الطلاب على العمل بتعاون في فرق أو بين فردين، وإن الفريق الثنائي الجيد يمكن أن يتضمن فتاةً (تفهم المسائل الرياضية الكلامية) وولداً (يعرف خطوات حل المسائل). ويمكن أن يتضمن درس القراءة أو واجب اللغة الإنجليزية قراءة فقرة من قصة، وتحديد المشكلة، ووضع نهاية جديدة، وقد استطاع العلماء المبتدئون العمل مع بعضهم البعض لوصف وتسجيل التغيرات في شرنقة الفراشة، ويمكن أن يتضمن واجب تعاوني في درس لغة أجنبية (ذكراً) الشريك رقم 1 ليقوم بتسجيل تعليمات تجميع أجزاء لوحة ثلاثية الأبعاد بالمسجل (باللغة الإسبانية مثلاً) ويجب على (الأنثى) الشريك رقم 2 أن تستمع إلى الإرشادات وتتبعها.
النتائج المترتبة على الفروق في حالات الإصابة أو تقدم السن
بما أن الرجال يميلون إلى استخدام جزء محدد من الدماغ أثناء النشاط الذهني، فمن البديهي أنهم يعانون أكثر من الإصابات أو تقدم السن (غور 1991)، فإذا تلفت مناطق من الدماغ نتيجة لسكتة أو إصابة، فإن هذه المناطق تُفقد عند الرجل، في حين تكون النتائج أقل حدة عند النساء، فبما أن المرأة تستخدم العديد من مناطق الدماغ لمعالجة المعلومات فإنه إذا أصيب موضع ما فإن بقية أجزاء الدماغ تعوِّض وتطور زوائد شجيرية إضافية (إيبي 2001)، ونتيجة لذلك تكون شيخوخة المرأة الذهنية أفضل من شيخوخة الرجل.
استنتاجات
بعد إنجاز هذا البحث، توصلت إلى إعجاب ببعض "حكايات النساء القديمة" التي تناولت الفروق بين الرجال والنساء، وبدلاً من مجرد التقليل من شأن المتذمرين باتهامهم بالتحامل على الجنس الآخر، فإني أفضل تقدير ذاكرة النساء طويلة الأمد وقدرة الرجال الرياضية، لكن بما أن الفروق بين الجنسين صغيرة، يجب أن نبقى مراعين للنواحي الثقافية (أو الجنسية) في أسرنا ومجتمعاتنا ومدارسنا.[/align]