بسم الله الرحمن الرحيم
البدايه..
كانت قبل اثنتين و أربعين سنه، عندما انطلقت صيحة الحياة من حنجرتي وأنا اقتحم عالم الحياة الدنيا في غرفة معتمة تتوسط منزل إسمنتي واسع يفترش جزء من مزرعة شاسعة في قرية ّّّ(م) والتي تشكل مع زميلاتها شريط خبوب بريده المحافظ........
قبل أن أخبركم بتفاصيل الزمان وماجري وما كان، سأأخذكم بجولة في ذلك المكان ..الذي ولدت ودرجت وفية ترعرعت حتى سن الصبا والشباب....
يتكون منزلنا الذي يشابه في تصميمه اغلب منازل الجيران في تلك المرحلة من قسمين، قسم للرجال وقسم للنساء.. القسم الرجالي يقع في الجهة الشمالية للمنزل، وهو عبارة عن حجرتين كبيرتين (مجلس ومقلط)تم تصميمهما بشكل هندسي يوحي للقادم بأنهما ذراعان مفتوحان يفصل بينهما دكه صغيره يتوسطها سلم من ثلاث درجات يتكئ على باحة واسعة من الرمل الناعم نثر فوقها ( الحصباء)و الغرض منها تنظيف باطن النعال أن يلتصق فيها شيء من الرمل . فيتم نقله للداخل .. يحاط هذا القسم بسور عظيم يعاد طلائه بين كل فتره وأخرى ويربط بين طرفيه باب ضخم .. يفضي إلى طريق ترابي متعرج وملتف حول النخيل وينتهي بالمسجد، الذي يعكس أهم المعالم الروحية والتعليمية في قريتي وتطبق فيه ابلغ صور التكافل الاجتماعي ..
أما القسم ألحريمي والذي شاركني الجزء الأجمل من حياتي فهو عبارة عن صحن فسيح انتثرت فيه غرف مبعثره بشكل عشوائي ( حيث كان أبي يزيد حجره كل مااقتضت الحاجة أو المناسبة)
ولعل أوسع هذه الحجرات هو المطبخ الممتد طولا في الجنوب متخذا شكل المستطيل , وتذكر أمي دائما بزهو أن المطبخ لم يكن يختلف كثيرا عن باقي غرف المنزل , ولكن عند ولادة (صالح ) كان أبي (جذلاً) فهدم الحائط وتوسع شرقا مقتطعا جزءاً ليس بالهين من المزرعة .. ربما مكافأة لها .. مما أدى إلى حسد وهمهمات نسائيه هنا وهناك ..
يلي المطبخ عريش مسقوف كان هو مكان الجلسة البديل عن باحة الصحن في حال هطول المطر أو اشتداد حرارة الشمس ..ويستند العريش إلي غرفة المخزن التي تم اقتطاعها أيضا من المزرعة وعلى اليمين غرفة أبي ..والتي تلي المطبخ رحابه وتوارت خلفها غرفة البنات -عندما وقفت على إطلالها بعد وفاة أبي وقرار بيع المزرعة دهشت لكونها انكمشت لدرجه يصعب فيها التخيل أنها احتوتنا جميعا بأشيائنا وضجيجنا –يلي غرفتنا مباشرة غرفة أمي ( هيله) الملاصقة للدرج .......
أما الصف الثاني للحجرات والمقابل لكل ما ذكر فهي حجرات (العيال ).. الأولى وهي المحطة التي تستقبل كل مولود ذكر يلفظه رحم أمي ..والثانية كانت لاستقلال صالح عندما شب عن الطوق ،والثالثة كانت لاستقلال فيصل .. وربما لم يوقف زحف الاستقلال ألذكوري إلا الاصطدام بـ" القهوة" وهي الحد الفاصل أو المشترك بين القسمين ( الرجالي والحريمي) ..وتعني في الوقت الحالي غرفة المعيشة الشتوية، بدليل أكوام الحطب الممتدة حتى السقف في أقصى ""القهوة" مع سواد وتفحم الجزء الأعظم منه ..
يطوق هذه الذكريات جدار هرم تناثر في جسده ثقوب وحفر بفعل عوامل التعرية .. يتوسطه باب مهترئ يقع بين المطبخ وغرفة (العيال) .. وحالما تتخطى عتبة هذا الباب ستشاهد مساحه لامتناهيه من الخضره , حيث يمتد خطين متقابلين من النخيل يمثل كل خط منهما بداية شريط متتابع في أنواع مختلفة من التمور يغلب عليها (السكري ) ويفصل بينهما أكوام التبن.. يلي حزامان التبن بمسافة ليست بالقصيرة (بئر ) يعلوه نفود ويمثل الحد الجنوبي للمزرعة ..أما حظائر البقر فقد شكلت الحد الشرقي , بينما يفصل شبك صغير بين مزرعتنا ومزرعة ( العبد الكريم) في أقصى الامتداد الغربي ....
شاركني امتطاء هذه البقعة ألمقدسه في نفسي بشر اثروا في حياتي بطرق مختلفة وعلى رأس هذا الهرم البشري ( أمي هيله) ...........................
.................................................. .........................يتبع..