تأثير التدخين على المرأة الحامل وجنينها
د.جمال عبدالله باصهي *
أستاذ مساعد بكلية الطب جامعة حضرموت
يؤثر التدخين بما يحتويه من مواد سامة مثل النيكوتين والسيانيد و أول أكسيد الكربون على صحة المرأة الحامل وصحة الجنين. و لا يتم ذلك عبر تدخين المرأة للسجائر فحسب؛ بل حتى عند تعرض المرأة الحامل للأبخرة المنبعثة من أفواه المدخنين فيما يسمى ذلك بالتدخين السلبي، لذلك فإنه ينبغي على الزوج إذا كان مدخنًا ولم يستطع التوقف عن التدخين أن يحذر من التدخين أمام أطفاله وزوجته.
و يتأثر الجنين مباشرة من التدخين وذلك لأن كثير من المواد السامة التي يحتويها الدخان تمر عبر المشيمة إلى الجنين مسببة عدد من التأثيرات التي تم إثباتها في عدد من الأبحاث والدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع ومن هذه التأثيرات:
1- علاقة التدخين بحدوث الإجهاض
علاقة التدخين بحدوث الإجهاض تم إثباته في الكثير من الأبحاث الطبية، ففي أمريكا مثلا فإن التدخين يؤدي إلى إجهاض حوالي 19000 إلى 140000 امرأة سنويا.
2 -التدخين يسبب نقص في وزن الطفل المولود:
وجد الباحثون أن الأطفال المولدين لأمهات مدخنات ينقص وزنهم عند الولادة بمعدل ربع كيلوجرام مقارنة بالأطفال المولدين من أمهات غير مدخنات، وتزداد نسبة نقص الوزن عند هولا الأطفال بزيادة عدد مرات التدخين. وقد يظن البعض أن ولادة أطفال وزنهم ناقص عن الطبيعي يعني أن ولادتهم سوف تكون ميسرة، إلا إن هذا غير صحيح، لأن نقص الوزن هنا سببه انكماش الأوعية الدموية الذي سبّبه التدخين للجنين طوال فترة الحمل، مما أدى إلى نقص التروية الدموية وما تحمله من الأغذية والأكسجين الضروريين للنمو الطبيعي للطفل، لذلك فإن هذا الطفل يكون معرضًا لمصاعب جمّة بعد الولادة، تلك المصاعب التي قد تضطر الأطباء لإبقاء الطفل في غرفة العناية المركزة.
3- التدخين يسبب بعض التشوهات الخلقية عند الطفل المولود:
أكدت عدد من الدراسات والأبحاث الطبية من وجود علاقة بين تدخين المرأة الحامل وزيادة نسبة التشوهات الخلقية عند أطفالهن ومن هذه التشوهات: الشفة المشقوقة، سقف الفم المشقوق وبعض المشكلات التركيبية للعين والأذن والجهاز الهضمي والحبل الشوكي للجهاز العصبي المركزي. كما ربطت أبحاث أخرى بين تدخين الحامل وظهور بعض المشكلات الصحية للطفل حتى في سنوات متأخرة بعد ولادته مثل مشكلات الجهاز التنفسي كالربو.
3- التدخين وعلاقته بحدوث ما يسمى بحالة الوفاة المفاجئة للطفل بعد الولادة.حالة الوفاة المفاجئة للطفل بعد الولادة هي حالة يموت فيها الطفل وهو في الأشهر الأولى بعد الولادة دون وجود مرض مسبق يفسر حدوث الوفاة، وقد وجد الباحثون زيادة نسبه هذه الحالة عند الأطفال المولودين لأمهات مدخنات أو تعرضن طوال فترة حملهن للتدخين السلبي، ولا يشترط أن يكون التدخين قد حصل أثناء الحمل؛ بل وجد الباحثون أيضًا أن تعرُّض الطفل بعد الولادة للتدخين السلبي قد يؤدي إلى هذه الحالة، لذلك ينصح بأن تتم رعاية الطفل بعد الولادة في مكان لا يتم فيه تدخين السجائر.
هل يغني نقص عدد مرات التدخين للحامل لحماية جنينها من مخاطر التدخين؟
هناك مجوعة من النساء وان كن قلة يرفضن التوقف الكامل عن التدخين أثناء الحمل بحجة أنهم لا يستطيعون ذلك، ولكنهم يستطيعون التقليل من عدد مرات التدخين، فهل يفيد ذلك في حماية أطفالهم من مخاطر التدخين؟ وللأسف فقد وجد الباحثون أن تقليل عدد مرات التدخين لا يجنب الجنين مخاطر التدخين بشكل كامل؛ إلا أن شدة هذه المخاطر تقل بتقليل عدد مرات التدخين.
تأثير التدخين على صحة المرأة الحامل
لا تقتصر مخاطر التدخين أثناء الحمل على الجنين؛ بل أيضا تتأثر الأم الحامل هي أيضا وذلك من خلال الأتي:
1- يزيد التدخين من نسبة التهابات الجهاز التنفسي الجرثومية.
2- يزيد التدخين من نسبة التهابات الجهاز البولي الجرثومية.
3- يزيد التدخين من نسبة اعتلالات تخثر الدم.
4- يزيد التدخين من نسبة حدوث الحمل في غير وضعه الطبيعي مما يهدد بحياة الأم.
5- يزيد التدخين من نسبة حدوث النزيف أثناء الحمل.
6- يزيد التدخين من شدة القيء أثناء الحمل مما يستدعي ترقيد المرأة الحامل في المستشفى.
المرأة نبع الرحمة و الحنان والتضحية
يقول المولى عز وجل: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) [سورة لقمان].
إذا أردت أن ترى الرحمة والحنان والتضحية جسدًا يتشكل أمامك فانظر إلى المرأة في صبرها على متاعب الحمل والولادة، وفي سهر الليالي وهي تعتني بطفلها، وفي خوفها وقلقها على ابنها إذا أصابه مكروه ذلك الخوف والقلق الذي لا أجد له وصفًا أدق من وصف المولى -عز وجل- لأم موسى حين وضعت طفلها في البحر رغم أن الرحمن -عز وجل- قد طمأنها على سلامته حيث وصف ربنا مدى حزن وخوف وقلق أم موسى بالفؤاد الفارغ فقال عز من قائل كريم: (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) [سورة القصص].
فهل يمكن بعد كل هذا أن نجد امرأة تصر على التدخين أثناء الحمل، وتكون سببًا في إلحاق الأذى والمخاطر بطفلها؟ والجواب طبعًا لا يمكن ولا توجد امرأة بهذا القلب القاسي.
إذًا فكيف نفسر إصرار بعض النساء على الاستمرار في تدخين السجائر أثناء الحمل؟ والتفسير يكمن في أمرين أولهما أن كثيرًا من النساء يجهلن أضرار التدخين على الحمل والجنين، و ثانيهما أن الإنسان المدخن يحتاج لمساعدة الطبيب للتوقف عن التدخين من خلال طرق وعلاجات التوقف الصحيح للتدخين، وذلك لأن هناك جزءًا كبيرًا من إصرار المدخن على التدخين يكون هو غير مسؤول عنه، حيث يكون الدخان قد استطاع أن يجعل الجسم في اعتماد كامل عليه، محولاً الإنسان إلى مدمن حاله مثل حال أي مدمن آخر، لذلك فإن هذا الإنسان يحتاج لمساعدة طبية في علاجه من إدمان التدخين دون حدوث ما يسمى بحالة الأعراض المصاحبة للتوقف السريع عن التدخين، والتي تعتبر السبب الرئيس في فشل بعض المدخنين عن الإقلاع النهائي عن التدخين. ولا يعني ذلك أننا قد وجدنا للمدخن عذرًا لاستمراره على التدخين وما يسببه من أذى ومخاطر على جسمه ومخاطر لذويه و أولاده وزوجته يقول الله سبحانه وتعالى (بل الإنسان على نفسه بصيرة* ولو ألقى معاذيره ([القيامة] فإن كان التدخين قد استطاع بعملية الإدمان أن يفقد المدخن جزءًا كبيرًا من إرادته في التوقف عن التدخين؛ فإن ذلك لا يعني أيضًا أن التدخين قد منع المدخن من التوجه إلى اقرب طبيب أو مركز طبي لمساعدته في الإقلاع عن التدخين باستخدام أحدث ما وصل إليه العلم من الطرق والعلاجات لمعالجة إدمان التدخين، فإذا كان العلم قد نجح في معالجة مدمني المخدرات رغم شدة إدمانها مقارنة بالتدخين؛ فكيف بمعالجة إدمان التدخين؟! وسوف نتطرق مستقبلاً -إن شاء الله- في موضوع منفصل ومن إلى شرح كامل ووافٍ عن الطرق والعلاجات المستخدمة في علاج مدمن الدخان