السلام عليكم
يكمن سرّ أي أحجية عند أصلها، وقد بدأ القرآن الكريم من الأصل الأول الموغل في أعماق الغيب البعيد، فما هو إذن أصل المرأة؟ وكيف كانت بدايتها؟.. في أوَّل آية من سورة النساء يقول الله تعالى: (يا أيُّها الناس اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها).. من هذه الآية الجامعة المانعة تسطع عليك في وضوح الأسس التي ينبني عليها في الإسلام الصرح المشيد التي خطَّ ملامح المرأة:
النداء الربَّاني للنَّاس جميعاً رجالاً ونساء بأصلهم الواحد من نفس واحدة، فهو الوشيجة الحميمة والرابطة العضوية العميقة بينهم سواء من ناحية أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، إناثاً كانوا أو ذكوراً.
ثم سريعاً ولأمر جلل تمَّ كشف النقاب عن الغموض الذي يكتنف قصد البداية، فقال تعالى: (وخلق منها زوجها)، وجاء في الأثر أنَّ مكان خلقها كان من بعض ضلوع آدم عليه السلام، ولسنا في حاجة إلى تفاصيل، فإنَّ خلقها منه فحسب، كافٍ لإبراز المعنى الجليل من ورائه، وإخطار المرأة بأنَّ أصلها هو الرجل، مشير بجلاء ودون كثير نظر، إلى حضَّ الرجل والمرأة على السواء، على التفكير العميق في أبعاد هذه الآصرة العضوية بينهما، وفيه الأصل الأصيل الذي يعتمده الإسلام ركناً للعلاقة بين الرجل والمرأة، بما يناقض وبصورة جذرية ما طلعت علينا به حركات تحرير المرأة، (إذ تقوم على أصل العداء بين الرجل والمرأة واعتبار الرجل في أحسن حالاته ظالماً، وفي أسوأ حالاته سجاناً مجرماً، بينما المرأة التي لا تثور على الرجل في أحسن حالاتها ساذجة بلهاء، وفي أسوأ حالاتها مريضة نفسياً بحبّ تعذيب الرجل لها، فالعلاقة بين الرجل والمرأة، علاقة الحرب التي لا تهدأ حتى النصر أو الموت). وها نحن في أول السورة التي نوديت فيها النساء، حيث يضع الربّ الأمور في نصابها، إذ يعود بالجميع إلى الأصل الأوَّل، فإذا بالومضات تباعاً: روحها خلقت من جوار قلبه، واهتزت الحياة فيها لأوَّل مرة من فيض الدماء التي تسري في عروقه، فضربت هذه الصواعق الربَّانية المنطق الجنوني الجامح لجماعة المتهوسين من المرضى النفسيين أرباب حركات تحرير المرأة ضربة صاعقة، ونقضته من قواعده، وأتت عليه من أركانه. وتبيَّن به أنَّ الذي بيننا وبينهم ليس خلافاً جزئياً تسعه المعالجة وأنصاف التدابير.. إنَّه الخلاف المبدئي الذي لا واسطة فيه ولا لقاء. إنَّهما عالمان مختلفان، الأصول ليست كالأصول، المعاجم ليست كالمعاجم، والمشارب ليست هي المشارب، إنَّنا هنا في المدرسة العظمى، التي قررت أصل العلاقة بين الرجل والمرأة، علاقة امتداد الجسد بالجسد ومسرى الروح بالروح، الجزء بالكل، والفرع بأصله، والدماء الحارة السارية بنبضها فيهما معاً، الآصرة الحميمة بين الأم وجنينها الذي ينبض بالدماء في أحشائها، هل تماري الام في نبض الجنين في أحشائها؟ كذلك كانت (هي) يوم كانت نائمة في سلام إلى جوار قلبه، حتى استلت بقدرة الربّ فكانت دماءً تدفق وبشراً سوياً.
هذه أوَّل الهدايا نهديها للثائرات على الإسلام، المتبرمات من شرائعه، الراغبات في تحرير المرأة من باريها، الشاردات على الرجال أصولهن، الخامشات جلودهن بأظافرهن، المتلمظات لسلخ المرأة من جذورها ومن أصلها.
يا ابنة آدم، إذا تقلَّبت بين عينيك الرؤى، وتداخلت أمامك الأمور، فهلمّ إلى الأصل الأوَّل، هناك تبصرين وتسمعين وتبعثين خلقاً جديداً.. فإنَّ لكلّ أحجية أصلها، وعند أصلها تبوح إليك بسرّها..
يقول الله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنَّك لتهدي إلى صراط مستقيم) صدق الله العظيم.
د. توفيق علوان
العرض العادي
