كان العيش في كنف قبائل بني الأصفر حلماً جميلاً يحلم به أي شخص يطلب الحياة الهنيئة ، فقد كانت قبائل بني الأصفر من البيوتات العظيمة وكانت كذلك في أرغد عيش . فالماء حولها والأرض الخصبة ميدانها والعمل الدؤوب شعارها . كانوا يعيشون في سعة وفسحة ومتعة . وفي يوم من الأيام قدم رجل من قبيلة مجاورة لقبائل بني الأصفر يلهث من العطش فصاح بهم ساعدوني أنجدوني فسمعه من الناس من سمع فقدم إليه نفر يحملون الماء وقليل من الطعام . تفضّل يا أخ العرب أشرب الماء وكل طعامك . فما إن استقر حاله وعاد لون وجهه ، خاطبه أحدهم : ماذا بك يا أخي ؟ فأجابه الرجل الغريب بقوله : أنا من قبائل بني هلال . فكبّر الناس : الله أكبر الله أكبر فخاف الرجل من شدة ارتفاع أصواتهم فقال : ما الذي دهاكم يا قوم ؟ فأجابه واحد منهم فقال : ألا تعلم أخي أن هذه ديار بني الأصفر . فقاطعه الرجل الغريب : نعم إنني أعلم ذلك فرد عليه الآخر : إذاً أنت تعلم هوة الخلاف الذي بيننا وبينكم . أجابه الرجل الغريب : نعم أعلم ذلك فقال رجل من بني الأصفر : لماذا تأتي إلينا وأنت تعلم ذلك . فأجابه : يا أخي لم آت إليكم لشر في نفسي أو لفتنة أردت نشرها فيكم . فقاطعه شخص بعيد : إذاً ماذا تريد ؟ قال له الرجل الغريب : دعني أكمل حديثي أيها الرجل ، إنني رجل من قبائل بني هلال وأنا منهم ولن أكون إلا منهم ولكني رجل يكره الظلم فأنا رجل لدي قناعات ومبادئ أسير عليها في حياتي ولقد ساءني ما تعرضت له قبائلكم من ظلم الوالي فجئت أواسيكم وأقول لكم : إن الله مع الصابرين . قاطعه أحدهم : أنت تعلم أن الظلم مصدره قبائلكم فلماذا إذاً تواسينا وأنتم المستفيدون من ذلك ؟ رد عليه الرجل الغريب : اعلم يا أخي أنني إنسان يبغض الغصب وملكنا ظلمكم ولم يكتف بذلك بل غصبكم ، وما قلته عن استفادتنا من ظلمكم هو والله ظلم لنا لأننا لا نستحق أبداً ما أخذناه منكم بتحيز من الوالي . رد عليه رجل من بني الأصفر : أتريد أن تخبرنا أن هناك في قبائلكم من يحمل نفس مبادئك وقناعاتك . أجابه الرجل الغريب : نعم هناك من يحس بظلمكم ومع ذلك يصمت و يتجرع مرارة الانتصار الزائف الذي لم يأت إلا بظلم من الوالي لكم . رد عليه رجل من بني الأصفر : هل حقاً يوجد من مثلك يا أخي ، فوالله لقد أسعدتني بحديثك المتزن فقد كنت أرى أن جميع قبائل بني هلال يعشقون الانتصار المزيف فاتضح من كلامك عكس ما كان في نفسي عليكم فشكراً لك يا أخي وأكثر الله من أمثالك ، واعلم أخي أننا إخوان حتى مع وجود ظلم الوالي لنا ، وسنبقى إخوان متحابون إلى أن يعوّضنا الله والياً غير هذا الظالم . إننا نفرح كثيراً بانتصاراتنا ولكننا حرمنا منها لأن الوالي لا يريد لنا فرحة تكون . رد الرجل الغريب : شكراً لكم على ما قدمتموه لي وأنتم تعلمون من أني من قبائل بني هلال . فقال له رجل من بني الأصفر : نحن قوم نشأنا على حفظ الحقوق وعلى احترام بعضنا البعض فلا نقدم من لا يستحق حتى لو كان ابناً لسيدنا ونحن على هذا النهج نسير ، واعلم أخي أن قبائلنا هي ملك للجميع فمن أتى إلينا رحبنا به حتى لو كان من ألد خصومنا ، وأنت بقدومك علينا مع وجود علمك بقبائلنا هو شرف لنا لأنك أمنت جانبنا ولم يخطر ببالك غدر من جانبنا أو شيء من ذلك ، فقدمت ورأيت ما في نفوسنا لكم ولولا وجود هذا الوالي لكنا وأنتم على وفاق دائم ومحبة وضياء .
أرجو أن تكون القصة نالت استحسانكم .
العرض العادي
