قراءة فى كتاب مفتاح علوم السر في تفسير سورة والعصر
الكتاب تأليف أحمد ابن مصطفى العلاوي والكتاب فيما يبدو له مؤلف أخر ففى مقدمته أن المؤلف عبد ربه بن عليوة وهو قوله :
"أما بعد فيقول عبد ربه ابن عليوة، سدد الله فعله، و عظم أجره: إنه قد كان سألني بعض العلماء الأعيان أمطر الله على قبره سحائب الغفران، أن أبسط له بعض الحديث في شأن ما يتعلق بسورة "والعصر" على طريق الفهم الخاص. "
والاحتمال أن أحمد هو عبد ربه وعليوة نسبته العلاوى والله أعلم بمن هو المؤلف الأصلى أو كونهما شخص واحد
استهل العلاوى كتابه بالقسم بالعصر فقال :
"والعصر
قلت: ـ هو قسم من الله تعالى، جي به لتأكيد خسران الإنسان، زيادة على ما يتلوه من بقية المؤكدات كحرف إن واللام. وحكمة إتيانه تعالى بالمؤكدات تفيد كون الإنسان يجهل خسرانه، و يبعد أن يدركه، ما دام لا يشعر بحقيقة ما كان عليه قبل تعلق الروح بالجسد المعدني."
وإلى هنا ألمر جيد ولكن الكلام بعده دخول بنا فى الفلسفة او التصوف وهو ما لا علاقة له بالتفسير وهو قوله :
" أما لو تصور ذلك عندما كان جوهرا خالصا، متخلصا من عموم المواد و سائر لوازم الفساد لاعترف بخسرانه، بالنظر لما هو عليه الآن. و من أين له أن يدرك ذلك و هو مكبول بشهواته، مسجون في ظروف طبيعته. و تلك الحالة هي أبعد المراتب واقصى الغايات التي تبعد به عن نيل سعادته الأبدية. و كذلك يبقى ما دامت بصيرته لم تنفذ إلى ما وراء هذه الظروف المحدقة به. ولكن لا تنفذ إلا بصريح برهان " فنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ". واذ ذاك يدرك خسرانه بالنسبة لما كان عليه قبل تعلق الروح بالبدن. و لو تخيل ذلك لما احتيج للتوكيد."
وتحدث عن اختلاف المفسرين فى تفسير العصر فقال :
"ثم العصر المقسم به حمله المفسرون على محامل، وانسبها لما في نفس الأمر على أنه الدهر، على ما رواه ابن العباس رضي الله عنهما، ووجه القسم به أنه أغرب الموجودات مطلقا، و من غرابته ما روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: " لا تسبوا الدهر، فإن الدهر هو الله " أخرجه الطبراني عن أبي أمامة بإسناد حسن و في رواية "لا تسبوا الزمان، فإن الزمان هو الدهر، والدهر هو الله"."
وقد رفض العلاوى هذا التفسير فقال :
"ونحن مهما أعطينا طرفا من الإهتمام لهذا الأثر إلا و خرج بنا الوهم عما نعرفه من معنى الدهر، الذي هو عبارة عن الوقت المقرون بحركة الفلك، لأنه متولد عن حادث، والمتولد عن الحادث أحرى بالحدوث من أصله، و ذهب بنا إلى شي أبعد مما نتخيله من معنى الدهر، والقانا في محيط امد حين لا امد، وهناك ينقلب الفكر خاسئا و هو حسير. أو هناك نعلم أن المراد بالدهر هو غير ما نعلمه من الدهر الذي هو عبارة عن المادة الزمنية المتكونة من جزأي الليل والنهار. و كيفما كان الحال، هذا الذي نعلمه من الدهر لا يعدم حظه من شعاع تلك الحضرة المسترسلة الوجود أزلا وابدا. أعني مما لا نهاية لأزليته إلى ما لا نهاية لأبديته. و بالنظر لذلك الإسترسال الغير متناهي، والذي لم يسبق لبدئه بد، فهل يكون ما نعلمه من الزمان متلاشيا في تلك المادة ذات الوجود الصرف؟ أم له طرف في الإستقلال؟ و على الفرض الثاني فالعقل لا يستطيع أيضا أن يثبت له نظير ما لغيره من الموجودات، من جهة كون الماضي منه والمستقبل معدومين. والحاضر منه جزء لا يتجزء، و هوالقدر المتنازع بين الماضي والمستقبل. واذن فهو ادق شيء عن ملامسة الوهم له. و ذلك هو مقر وجود الإنسان فيه. وهاته النظرة هي التي لا يكاد الإنسان يعطيه بها رتبة الوجود. أما إذا نظرنا على تطوره فصولا، وانقسامه شهورا واياما وأعواما، واعتبرناه محكوما عليه بالإقبال والإدبار، والزيادة والنقصان، خرج بتجسمه ذلك عن دائرة الوهم إلى ما يثبته الحس، و تعترف بوجوده النفس. و من تلك الحيثية لا يتردد العقل في إثبات الوجود إليه، و لا في كونه حادثا و ظرفا للمحدثات، و لا في كونه ذا دواهي و خطوب و طواري و تقلبات"
ومع رفضه للتفسير فغنه عاد وجعل الرواية صحيحة فقال :
"وبالنظر لما يترتب على ذلك من المظان رتب الشارع نهيا لمن يقصد تنقيصه بقوله: "لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله".
و بالجملة فإن الغرابة لا تنفك مصحوبة للدهر لا من جهة إسمه، و لا من جهة كنهه، و لا من جهة نوائبه. فقل ما شئت أن تقول، فإن الغموض فيه ذاتي. و من وجوه غرابته أنه كان يقسم به عليه الصلاة والسلام أحيانا. و في خبر عن عائشة رضي الله عنها أنه كان يقرا والعصر و نوائب الدهر.
على أني لا أقول: إنها كانت قراءة لاحتمال أن يكون ما بعد العصر تفسيرا له."
قطعا الخطأ فى الحديث أن الله هو الدهر وهو ما يخالف أن الكفار يؤمنون بالدهر رغم أنهم لا يؤمنون بالله أى بدين الله وفى هذا قال تعالى "نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر "كما أن الدهر مكون من أجزاء بدليل قوله بسورة الإنسان "هل أتى على الإنسان حينا من الدهر "فقوله حينا من الدهر يدل على تكون الدهر من أحيان أى أجزاء والله ليس متكون من أجزاء .
وتحدث العلاوى كما هى العادة فى التفسير اللغوى عن الإنسان فقال :
"ثم نرجع الآن لما يعطيه الفهم من ظاهر الآية على التقريب فأقول: إن الألف واللام في الإنسان هما للجنس. والمعنى تفيد كون جنس الإنسان من حيث هو محكوم عليه بالخسران إلا المستثنى من ذلك، و هو خبر صدق من الله جلت عظمته، وان كان الإنسان يجهل وجه خسرانه، الأمر الذي يتعين بسببه استجلاب عدة مؤكدات التي منها اللام وان والظرفية واسمية الجملة والقسم، و هو اعلى درجات التوكيد. كل ذلك يفيد بأن الإنسان غير شاعر بخسران نفسه، و لا هو خالي الذهن أيضا. والا لما احتيج لاستجلاب نظير تلك المؤكدات، كما يستفاد أيضا من سياق الآية. إن الإنسان في منتهى غاية الخسران في حال أنه لا يشعر بشيء من ذلك الخسران بما زين له من سوء عمله، و تحكم شهواته، حكمة من الله: "وكذلك زينا لكل أمة عملهم""
وبعد هذا اشتط العلاوى فتحدث عن خسران الإنسان قبل وجوده فقال :
"أما وجه الخسران فقد يبعد أن يتصوره الإنسان، على ما هو عليه، إلا بعد مقارنته بحالته الحاضرة، أعني حياته العنصرية مع حياته الروحانية قبل تعلق الروح بالبدن عندما كانت الروح تسرح بين أفراد الملأ الأعلى، و تسبح في محيط أنوار يبعد كل البعد عن ملابسة الأغيار.
كانت الروح في كرامة عظيمة، و حالة جسيمة، تتلقى نداها من الله من غير واسطة. و تجيب جوابا خاليا من كل شبه. و لم تفقد حظها من تلك الكرامة، و لو بعد هبوطها و تعلقها بأول جسم للإنسان. فإنه توجها بتاج العلم، و كللها بإكليل الفهم، و علمها ما لم تكن تعلم. كفاها أنه أسجد لها الملائكة و عموم الأرواح كالذر في ظهر آدم. غير أن الرابطة بالجسم أكسبتها صبغة غير التي كانت عليها. فلم يشعر الإنسان إلا و هو نوع من أنواع الحيوان، يعمل بحكم الطبيعة داخل الجنس العام. و شتان ما بين المرتبتين، و بعد ما بين الحالتين؛ أعني حال الإنسان الأول و حال الإنسان الثاني، على ما يقتضيه النور الشاسع بين الرتبتين، حتى كأنه لم يكن هو، و ليس بمستبعد إن قلنا إن الإنسان الأول هو غير الإنسان الثاني، مهما كان يطلق لفظ الإنسان على معنيين؛ أحدهما هو هذا الإنسان الذي نعتبره أحد أنواع الحيوان المشهود بالحس المدرك باللمس، المخصص بالفصل من الجنس.
والثاني له لوازم و خصائص تجعله في الحيز المقابل للأول، المسمى بالإنسان المحسوس، والثاني بالإنسان المنقول، أو نقول الأول يسمى بالإنسان الحيواني، والثاني بالإنسان الرباني، و ليس الشان أن يكون الإنسان حيوانيا، و لكن الشأن أن يكون ربانيا. قال تعالى: " و لكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب و بما كنتم تدرسون ". و متى يكون الإنسان ربانيا؟ يكون إذا سافر من ظاهره إلى باطنه، وارتقى على كاهل نفسه، لينظر ما حجب عنه من شرفه و علوه، و هناك يجد سعة و ملكا كبيرا، حتى إذا عرف ما فطرت عليه نفس الإنسان، و ما كان عليه في عالم الإحسان، يقول قد أوتيت ملكا لم يؤته أحد من العالمين. و تلك هي السعادة الأبدية. والى ذلك يشير الإمام علي بقوله: " خلقتم للأبد ". و هذا الإنسان المبهم الكنه، المعرف شأنه برفع المنزلة هو المخلوق في أحسن تقويم، والثاني هوالمرجوع به إلى أسفل سافلين. الأول هو المشار إليه بقوله تعالى: " و لقد خلقناكم ". والثاني هو المعني بقوله: " ثم صورناكم ". و عليه فالإنسان الأول هو مخلوق غير مصور. واليه اللإشارة في حديث: "خلق الله آدم على صورته" فإنه لم يقل تعالى صور الله آدم على صورته، لأن الخلق كان قبل وقوع الصورة، والمخلوق على صورته لم تكن له صورة، واذن لا صورة في الواقع، لا للإنسان الأول، ولا للمخلوق على صورته. و بهذا الأنموذج تدرك كون الإنسان ضاع له من معرفة نفسه بقدر ما ضاع له من معرفة ربه. نال ذلك بسبب نسيانه لما كان عليه " نسوا الله فأنساهم أنفسهم ".
و بالجملة فإن خسران الإنسان تسبب عن ظنه كونه هو بالجسم إنسان، و في استطاعته الآن أن يتدارك ما فاته من عزه، و ليس ذلك إلا أن يكون بالروح إنسانا."
وكل هذا خروج بنا عن تفسير السورة فالإنسان لا يمكن ان يكون خاسرا قبل وجوده لأن الخسران يكون بعد الوجود لانعدام الاحساس بالوجود
والإنسان المراد هو الإنسان وهو آدم وذريته ومعهم الجن وهم ليسوا خاسرين جميعا وإنما استثنى الله بعض منهم وهم قلة ومن ثم فالله لا يقسم على الخسران وإنما الخسران والفوز معا
وتحدث عن الاستثناء فقال :
"واما مجيئه ظرفا للإنسان فهو لإفادة الإحاطة بعموم أفراده إلا المستثنى المشار إليهم بقوله: " إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر " و قليل ما هم أعني من تتوفر فيهم تلك الخلال الكريمة، والنعوت العظيمة التي تضمن لهم السعادة الغير المشوبة بأدنى شقاوة، لا في العاجل و لا في الآجل، بما أن الإنسان قد يؤمن و لا يعمل الصالحات، و قد يعمل الصالحات و لا يتواصى بالحق، و قد يتواصى بالحق و لا يتواصى بالصبر عليه."
وحدثنا عن أن الخلاص يكون بالأربعة المذكورة فى السورة فقال :
"أما الخلاص النهائي لا يتحقق و لا يتصور بمعناه اللازم إلا باستجماع تلك الخصال الأربعة، و هي الإيمان والأعمال الصالحة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر عليه."
قطعا هنا الخلاص باربعة خطا فهم اثنين الآيمان والعمل وتفسرها الالتواصى بالحق وهو العمل بالوحى وهو نفسه التواصى بالصبر وهو العمل بالطاعة فى كل الأحوال
وكعادة العلاوى أسهب فى الكلام البعيد عن التفسير فقال :
"أما إذا فات الإنسان ـ والعياذ بالله ـ حظه من الإيمان في هاته الحياة الدنيا فقد خسر خسرانا مبينا، يجعله يقول يوم يرى سعادة السعداء بالنظر لشقاوة الأشقياء: يا ليتني كنت ترابا.
أما إذا نال حظه من الإيمان في هاته الدنيا القدر الذي يفصله عن محيط الكفران بالله و رسوله، فقد يتقدم بذلك شوطا غير قصير في سبيل سعادته، و نيل بغيته، و لكن لا تثبت أقدامه في ذلك الدور إلا بالأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة هي جنس يدخل تحته أفراد كل فعل محمود، و يخرج معه كل فعل مذموم. و هذا الدور يعتبر أرفع درجة في نيل السعادة. غير أنه لا تستقر أقدام صاحبه استقرارا تاما إلآ مع التواصي بالحق، و من لم يتواصى بالحق قل أن يصبر في طريق الحق، بناء على أن رأس الأعمال الصالحة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. و من لم ينه و يأمر يخشى عليه يوما من الأيام يصبح فيه لا ينتهى ولا يؤتمر.
و لما كانت هاته الخصال ـ أعني قول الحق، و ملازمة الحق، والتواصي بالحق ـ في الغالب تجلب لصاحبها من الأذى ما قد تكرهه نفسه، قرنها تعالى بالتواصي بالصبر. فمن لم يتدرع بالصبر قل أن يثبت في مقام الدعوة إلى الله عز و جل، و يشعرنا بهذا وصية لقمان لإبنه فيما أخبر القرآن الكريم به، حيث قال: " وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور "، يعني من خصال ذوي العزم.
و خلاصة القول أنه يدخل في التواصي بالحق، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما تقدم؛ و يدخل في التواصي بالصبر حمل الأذى و كف الأذى. و هاته الأخلاق الكريمة توجد في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالسجية، و في غيرهم من بقية المرشدين رضي الله عنهم بضرب من التكلف، غير أن الكلفة تهون بقدر الوراثة النبوية " العلماء ورثة الأنبياء "، فهذا هو متروك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، و ذلك هو حظ العلماء منهم. فليتأمل المتصف بالعالمية حظه من ذلك الإرث و مقدار توجهه واخلاصه و نصحه لله و لرسوله و للمؤمنين، فإن وجد في اخلاقه ما يثبت له نصيبا من ذلك الإرث فقد وجد فليلزم، والا فهو مقطوع السبب، فينبغي له أن يلتجئ لمن يربط سببه، و يحقق له وصلته، قبل أن تختم أنفاسه و هو على ما هو عليه، فيحشر على ما مات عليه، على أنه ليس بعد هذه الدار إلا الجنة أوالنار، أعاذنا الله والمسلمين من سوء القرار.
واذن فأوجب ما يجب على اللإنسان أن يتسارع في خلاص نفسه بما تبرأ به ذمته عند الله عز و جل. و لا تبرأ ذمة المؤمن على الوجه الأكمل إلا إذا أحب لأخيه ما يحبه لنفسه. و هذا هوالباعث الوحيد والمساعد الأكيد للمرشد على بدل النصيحة في ذات الله؛ لأنه يحب لنفسه النجاة المقرونة بالفوز الأبدي. واذا متى يصفو له الوقت أو يطمئن فؤاده و هو يرى أبناء جنسه واهل ملته على ما هم عليه، في حال أنه يحب لهم ما يحب لنفسه؛ عملا بما في الحديث الشريف لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه.
و بالجملة، فإن جهاد هذا النوع من بني الإنسان متواصل، و هو شي يبعث عليه الإيمان الكامل كما قدمناه. جعلني الله واياكم من الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر."
والخلاصة أن العلاوى فى الحقيقة لم يفسر السورة وإنما قال فسر كلمات العصر والخسران وتحدث حديثا لا يفيد القارىء بمعنى السورة إلا قليلا