نظرات فى كتاب الإجماع السكوتي
صاحب البحث بندر بن سعد زاكي الحربي وهو يدور حول ما سماه الاجماع السكوتى وقد عرفه فقال :
المطلب الأول: تعريف الإجماع السكوتي:
الإجماع السكوتي هو أن يقول بعض علماء العصر قولاً ويسكت الباقون , أو يعلن بعض المجتهدين قولاً ويسكت بقية أهل العصر من المجتهدين سكوتاً لا يستدل منه على رضا ولا سخط.
المطلب الثاني: بيان أن الإجماع السكوتي غير مختص بالصحابة وخلاف الحنابلة في ذلك.
اختلف الحنابلة في هذه المسألة على قولين:
القول الأول - أنه مختص بالصحابة:
وهو ظاهر كلام الأكثرين أن افتراضهم هذه المسألة في عصر الصحابة دون غيرهم.
قال القاضي في " العدة" (4/ 1170): (إذا قال بعض الصحابة قولا، وظهر للباقين، وسكتوا عن مخالفته والإنكار عليه حتى انقرض العصر، كان إجماعا.
وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية الحسن بن ثواب، قال: "أذهب في التكبير غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، فقيل له: إلى أي شيء تذهب؟ قال: بالإجماع: عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس". وظاهر هذا: أنه جعله إجماعا، لانتشاره عنهم، ولم يظهر خلافه ... )
القول الثاني - أنه غير مختص بالصحابة:
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (3/ 78): (اعلم أنه في " الروضة " فرض هذه المسألة في الصحابة، وليس مختصا بهم، بل هذه مسألة الإجماع السكوتي، منهم ومن غيرهم من مجتهدي الأعصار ... )
وقال علاء الدين الكناني في شرحه على مختصر الروضة المسمى "سواد الناظر" (3/ 583): (إذا اشتهر في عصر الصحابة أو غيرهم قول بعضهم التكليفي وبلغ علماء العصر ومضت مدة ... فإجماع).
والراجح أنه غير مختص بالصحابة "
قطعا لا وجود للاجماع السكوتى كدليل للتالى :
اولا كونه شرك بالله لأنه اشراك للبشر مع الله فى التشريع وهو ما يكذب قوله تعالى :
" شرع لكم من الدين"
ثانيا أن الشرع فيه بيان كل حكم كما قال تعالى :
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء "
ومن ثم لا حاجة لاجماع بشر بالسكوت أو بالكلام
وتحدث عن محل نزاع الفقهاء فى ألمر فقال :
" الاجماع السكوتي ومناقشة الأدلة والرأي الصواب في المسألة
المطلب الأول:
تحرير محل النزاع:
إن كان ذلك القول ليس في تكليف , بل في امر عادي فهذا ليس بإجماع.
كقول بعضهم "حذيفة أفضل من عمار " فان سكوت الباقين لا يدل على انعقاد الإجماع على ذلك؛ لأنه لا حاجة لهم إلى إنكار ذلك ولا إلى تصويبه وان كان ذلك القول في حكم شرعي تكليفي؛ فينظر:
إن صرح الساكتون بالرضا, أو وجد منهم علامات تدل على رضاهم من هذا القول , فانه يكون إجماعا وان صرحوا بالسخط , أو وجد منهم علامات تدل على سخطهم ,فهذا ليس بإجماع وان سكتوا ولم يظهر منهم علامات تدل على الرضا , ولا علامات تدل على السخط , فهل هذا يدل على انهم موافقون للمجتهد المعلن رأيه ويسمى إجماعا , أم لا؟ اختلف في ذلك على مذاهب."
قطعا لا يمكن معرفة رضا الناس من سخطهم سواء كان المقصود الفقهاء او الصحابة أو غيرهم لعدم معرفة من هو الفقيه من غير الفقيه ومن هو العاقل ومن هو المجنون
وكلمة الاجماع لا محل لها فقد أجمع المسلمون ومعهك النبى على خطأ وهو دفاعهم عن مرتكب الجريمة التى رمى بها غيره وهو برىء منها حتى نزل قوله تعالى :
"وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ"
كما أجمع اخوة يوسف(ص) على منكر وهو قتل يوسف (ص)أو طرحه فى البئر كما قال تعالى :
"وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ"
وعرض الحربى آراء الفقهاء فى مذاهبهم وأدلة كل فريق فقال :
"المطلب الثاني:
بيان خلاف العلماء في الإجماع السكوتي ومناقشة الأدلة والرأي الصواب في المسألة.
اختلف العلماء في الإجماع السكوتي هل يعتبر إجماعا وحجة أم لا على
ثلاثة عشر مذهبا ذكرها الإمام الزركشي في البحر المحيط أهمها ثلاثة مذاهب
المذهب الأول: أنه إجماعا وحجة
وهو قول كافة العلماء وبه قال أكثر الحنفية وهو ظاهر كلام أحمد واختاره القاضي أبو يعلى وابن عقيل وأبو الخطاب، وابن قدامة،
وهو الصواب من مذهب الشافعي وبه قال أكثر أصحاب الشافعي
وعليه جمع من الأصوليين كالسرخسي, والنسفي
ولاكن بعض هؤلاء اشترط انقراض العصر كالجبائي المعتزلي والآمدي قال الشيخ ابن عثيمين وهذا أقرب الأقوال.
المذهب الثاني: أنه حجة وليس باجماع
والمقصود أنه يكون حجة ظنية لا إجماع قطعي، ونسبه المرداوي، وابن النجار لأحمد وأصحابه وهو مذهب أبي هاشم الجبائي والصيرفي ، واختاره الآمدي وهو أحد القولين عن الإمام الشافعي إلا أن أبا علي بن أبي هريرة من أصحاب الشافعي اشترط أن يكون فتيا فقيها
المذهب الثالث: ليس بإجماع ولا حجة.
وهو مذهب داود الظاهري ، وابنه محمد واليه ذهب الشريف المرتضى وينسب إلى القاضي الباقلاني وعزاه للشافعي وقال "انه آخر أقواله" وممن نسبه إلى الإمام الشافعي أيضاً كثير من الشافعية كالآمدي,ونص الغزالي في المنخول أنه قول الشافعي في الجديد وفخرالدين الرازي، وقال إمام الحرمين: إنه ظاهر مذهب الشافعي واختاره الغزالي في " المستصفى "
أدلة أصحاب المذهب الأول القائلين بأنه إجماعا وحجة:
الدليل الأول: أنه لو اشترط لانعقاد الإجماع أن ينص كل واحدمنهم على رأيه بصراحة لأدى ذلك إلى عدم انعقاد الإجماع أبدا؛ لأنه يتعذر اجتماع أهل كل عصر على قول يسمع منهم، والمتعذر معفو عنه؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]،والمعتاد في كل عصر أن يتولى كبار العلماء إبداء الرأي، ويسلم الباقون لهم فثبت بذلك: أن سكوت الباقين دليل على أنهم موافقون على قول من أعلن رأيه في المسألة، فكان إجماعا وحجة.
الدليل الثاني: الوقوع؛ حيث إن المجتهدين من التابعين إذاحدثت حادثة بينهم، ولم يجدوا حكما لها في نص، ووجدوا قولا فيها لصحابي، وعلموا أن هذا القول قد انتشر، وسكت بقية الصحابة عن الإنكار، فإن التابعين لا يجوزون العدول عن ذلك القول، بل يعملون به؛ بناء على أنه قول قد أجمع عليه.
الدليل الثالث: قياس المسائل الاجتهادية على المسائل الاعتقادية،بيان ذلك:
أنه قد ثبت أن العلماء قد أجمعوا على أن السكوت معتبر في المسائل الاعتقادية، أي: سكوت الساكت في العقيدة يدل على رضاه؛ لأنه لا يحل السكوت فيها على باطل، فيقاس عليها المسائل الاجتهادية، والجامع: أن الحق واحد، فلا يحل له السكوت في الأمور الاجتهادية إذا كان عنده بخلاف ما أعلن؛ لأن الساكت - عن الحق شيطان أخرس؛ لأن الحكم لو كان عنده بخلافه: لكان سكوته تركاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا بخلاف ما شهد الله به لهذه الأمة من أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فلو تصور منهم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأدَّى ذلك إلى الخلف في كلامه سبحانه وتعالى، وهو محال، فوجب أن نحمل سكوت الساكت على أنه موافق لما أعلنه ذلك المجتهد، وهو الذي تدل عليه عدالته واما قول الشافعي "لا ينسب إلى ساكت قول" أراد به ما إذا كان السكوت في المجلس ولا يتصور السكوت إلا كذلك وفي غيره لا سكوت على الحقيقة.
وصرح بذلك أيضا التلمساني في "شرح المعالم" وأنه ليس من محل الخلاف بل هو إجماع وحجة عند الشافعي رحمه الله. قال: ولهذا استدل على إثبات القياس وخبر الآحاد بذلك لكونه في وقائع.
أدلة أصحاب المذهب الثاني القائلين بانه أنه حجة وليس بإجماعأن سكوت الباقين يدل دلالة ظاهرة على الموافقة فيكون قول ذلك المجتهد المعلن مع سكوت الباقي من المجتهدين عن الإنكار - مع قدرتهم على ذلك - حجة يجب العمل به كخبر الواحد والقياس. وإنما لم نقل إنه إجماع، لأن سكوت الباقي من المجتهدين يحتمل تلك الاحتمالات الستة السابقة الذكر فأثرت على وصوله إلى درجة الإجماع.
جوابه:
إن هناك قاعدة وهي: " أن كل احتمال لا يعضد بدليل صحيح فلا يعتبر "، والاحتمالات الستة السابقة الذكر قد بينا بعدها، وعدم صحتها، فثبت من إبطالها: أن سكوتهم يدل على رضاهم بالقول الذي أعلنه ذلك المجتهد - لا سيما وأنه لا مانع من إعلان مخالفتهم - وإذا كان الأمر كذلك فيكون ذلك إجماعا وحجة.
ادلة اصحاب المذهب الثالث القائلين بانه ليس باجماع ولا حجة
قالوا: السكوت يحتمل غير الموافقة من عدم اجتهاد أو خوف أو تعظيم , كما روي عن ابن عباس في مسألة العول أنه سكت مهابة من أمير المومنين عمر بن الخطاب
اجيب عنه: بمنع احتمال الثلاثة.
أما عدم الاجتهاد: فاننا اشترطنا مضي مدة كافية للتأمل في الواقعة.
وأما الخوف: فانه لايليق بالمجتهدين الذين يؤمنون بالله تعالى , اذ من عاداتهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير أن يخافوا في الله لومة لائم.
وأما التعظيم: فلا يظن فيمن هو عدل -ولا سيما من الصحابة رضي الله عنهم - أن يعظموا أحداً يخالف حكم الله.
واعترض على ذلك: بأن الفسق هو السكوت عن المنكر , وقول المجتهد (أي رأيه الذي رآه في المسألة الاجتهادية) ليس كذلك.
أجيب: أن هذا قبل أستقرار المذاهب اذ المجتهد يخطي ويصيب.
واما مسألة العول فان فيها نظر.
لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لايهابون أحداً في أظهار الحق , ولا يخافون في الله لومة لائم , و يعتبرونه نصحا والسكوت عنه غشا في الدين.
ثم ان المناظرة في مسألة العول وخلاف ابن عباس مشهور بين العلماء رواية , وكان ابن عباس موضع حفاوة وتقدير من عمر رضي الله عنهما , يدل على ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه. فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا ابناء مثله؟ فقال عمر انه من حيث علمتم , فدعاني ذات يوم فأدخلني معهم فما رأيت أنه دعاني الا ليريهم.
فقال: ما تقولون في قوله تعالى:" {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} .... السورة فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره اذا نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي أكذاك تقول يابن عباس. فقلت: لا , قال فما تقول: قلت: هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه الله له , قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} , وذلك علامة أجلك فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول "
ثم ان عمر كان ألين للحق وأشد انقيادا فهو الذي قال " لا خير فيكم ان لم تقولوا ولاخير فيّ ان لم اسمع " وقال: " من أحب الناس إليًّ من أهدى إليًّ عيوبي ".
وعندما أراد جلد المرأة الحامل , قال له معاذ بن جبل رضي الله عنه: " ان جعل الله لك على ظهرها سبيلا ما جعل الله لك على ما في بطنها سبيلا " فقال رضي الله عنه: " لولا معاذ لهلك عمر "
وعندما وقف على المنبر ينهي عن المغالاة في المهور , قالت امرأة قرشية: أما سمعت قول الله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَاخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]
فقال امرأة خاصمة عمر فخصمته ,
فإذا كان عمر كذلك في سرعة استجابته للحق. فكيف يقال: ان ابن امتنع عن إظهار رأيه مهابة من عمر. فابن عباس لم يمتنع من إظهار رايه , وانما امتنع من مناظرة عمر ومحاجته؛ لان ذلك كان منه احتشاماً واجلالاً له كما يكون الشبان مع ذوي الأسنان في كل عصر.
والصحابة - رضي اللَّه عنهم - ومن سار على نهجهم من العلماء الذين سلكوا طريق النصح، وتركوا الغش كانوا ينكر بعضهم على بعض، ويتناظرون، ويتجادلون لتحقيق الحق، وإبطال الباطل كمناظرتهم في مسألة " الجد والإخوة " حتى أن ابن عباس - - قال: " ألا يتقي الله زيد يجعل ابن الابن ابنا، ولا يجعل أب الأب أبا "، وكذلك مسألة " التحريم "، و " دية الجنين "، وغيرها لا تخفى على أحد، فكل هذا يدل دلالة واضحة على أن المجتهد لا يسكت عن شيء هو يعلم خلافه، بل. يبين رأيه فيها دون إلزام "
وبعد أن عرض الآراء الثلاثة الرئيسية رجح أن الاجماع السكوتى اجماع وحجة فقال :
"والراجح
أنه إجماعا وحجة وذلك لأنه لو اشترط لانعقاد الإجماع: أن يصرح كل مجتهد برأيه في المسألة لأدى ذلك إلى عدم انعقاد الإجماع أبدا؛ لأنه يتعذر اجتماع أهل كل عصر على قول يسمع منهم، والمتعذر معفو عنه، والمعتاد في كل عصر أن يتولى كبار العلماء إبداء الرأي، ويسلم الباقون لهم بعد مدة تكفي لبحث المسألة، فثبت أن سكوت الباقين دليل على أنهم موافقون على قول من أعلن رأيه في المسألة فكان إجماعا وحجة ,والله اعلم. "
قطعا ما قرره الفقهاء مخالف لنص الوحى فلا أحد يملك التشريع من الخلق بسكوته أو بكلامه والاجماع إنما هو شرك بالله تعالى فى التشريع الذى بين أنه لم يترك منه شىء فقال :
" ما فرطنا فى الكتاب من شىء "