ونحن نودع عاماً هجريًّا مضى من أعمارنا،
ونستقبل عاماً جديداً،
يلزم الإنسان منا أن يقف وقفة تساؤل، وتأمل وتدبر، تعقبها وقفة طويلة يحاسب فيها الإنسان نفسه عما اقترفه خلال عام كامل من عمره، عام مضى وانقضى، لا ندري ما الله صانع فيه، ثم وقفة استعداد لانطلاقه إلى الله من خلال عام نستقبله لا ندري ما الله قاض فيه.
وقفة تأمل وتدبر
إن أول ما يجب أن يلفت انتباهنا السرعة العجيبة التي مرت بها هذه السنة، فبالأمس القريب كنا نستقبل هذا العام، وهانحن وبهذه السرعة نودعه، وفي هذا ما يدل أولي الألباب على سرعة انقضاء الأعمار، وسرعة فناء هذه الدار، كما قال العزيز القهار: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) [آل عمران:190].
ما بين الولادة والكهولة، والشباب والشيخوخة، والهرم ثم الموت، ينتهي شريط الحياة في عجالة، ويطوى سجل الإنسان وكأنها غمضة عين، أو ومضة برق، فياعجبا لهذه الحياة كيف خدع بها الناس، وغرهم طول الأمل فيها،
قال علي رضي الله عنه: "إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل".
وقال الإمام النووي:
إن لله عباداً فطناً .. .. .. طلقوا الدنيا وخافوا الفـتنا
نظروا فيها فلما علموا.. .. .. أنها ليست لحيٍ وطـنا
جعلوها لجة واتخذوا .. .. .. صالح الأعمال فيها سفنا
وقيل لنوح عليه السلام: "يا أطول الناس عمراً كيف وجدت الدنيا؟ قال: كدارٍ لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر".
هذا وهو الذي عاش نحواً من ألف عام، فكيف بصاحب الستين أو السبعين؟
إذا ثبت هذا فعلى المسلم في ختام سنته أن يتوب إليه سبحانه عما بدر منه فيما سبق، وأن يكثر من ذكره فيما بقى، فإن من تاب وأصلح فيما بقى غفر الله له بمنه وفضله ما مضى وما بقى، ومن أساء فيما بقى أخذه الله بما مضى وما بقى.