" يشبه الوطن المفقود جثة أحد الأقرباء ,, ادفنها بإجلال وآمن بالخلود "
المدن الجميلة تفقد عذوبتها حينما تأتيها سائحا بعد نفي
أجر بعضي وأنا الذي تركت زواريب حارتي القديمة قبل سنوات من العذاب والبؤس منتظرا شيخا وقورا يلم بعض (مشلحه) خارجا من مسجده الطيني لألقي عليه تحية الحب والذكرى الجميلة يوم أن عكفت ركبتي بمحرابه وعمري آنذاك قرابة السابعة
,,,,,,
ادخل مدينتي بشئ من الهيبة والوقار أجوب الشوارع الذكورية تلك التي تعودت دائما أن تفصل المدن لأشلاء
لتجمع على ضفتيها بعض العداواة وكأن المساحات الفاصلة هي مشعلة النيران بين طرفيها
شارع (الصناعة) القديم المتجدد ولقاء العشاق كان هنا ,, كانت النساء تتلفع الشالات السوداء بعضها يبرز جزء من أنوثتها
لتمر مع الشارع مسكونة بنظرات البائعين الغادين الرائحين واللون الأحمر بعض من الاغراء
(الجامع الكبير) قبل هدمه كان مرسما للقاءات جميلة أذكر صديقي القديم عبد الكريم (العلاط) التويجري
ذاك الذي مر عشقا لدربه اليومي فاغتالته منارة الجامع يوم أن هدمت ظهرا فكان حديث أصحاب (الدكاكين)
الشيخ (علي أبا الخيل) وصوته الجهوري وهو يغلق محله في السقوطات قريبا من (الوسعة) ليركب بصحبة الأخوان
يقودهم (الطريماني) في جمسه ليرفعوا أصواتهم المبحوحة (الصلاة يارجال) سألت عنه صديقي الذي يصحبني فقال التحق بالرفيق الأعلى
شعور عميق يذكرني يوم أن كنت أمر قريبا من البوطة لأسمع (مكائن) الماء رافعة قهرها وصوتها ( تاك ..تاك ) فتغيب الشمس عن خضرتها
قبل أن تغيب عن تلك المدينة الجميلة
مررت (بالمسيل) المكان الفسيح في العجيبة والذي يشهد احتفالات فوز الرائد فذاك الحي مأوى قلب ذاك النادي
كيف تحول من مكان عابق بالتاريخ إلى مكان يذكرك بعضك الطفولي لانه لم يتغير كثيرا غير رحيل أهله
أقبل كل جدار هناك وإن كنت أسكن بعيدا عن هذا الحي إلا أني مررت به كثيرا
لاأدري حينما ادخل هذه المدينة بعد غياب هل أنا أدخلها بصفتي أحمل جواز سفر لمدينة أخرى فتتنكر لي عادة المدن المتكبرة تغير ملامحها كل يوم لتنسيك خطوتيك المتعثرتين على قلبها
فتنام جريحة بعطرك
ادخلها وقبور أجدادي وأهلي راقدة على كفها الجنوبي تحت أثلها وبيوتها
(غرناطة) ,, (العثيم) ,, الأحياء الفارهة ,,
أقنعة شوهتني أكثر مما تزينت به مدينتي القديمة