صحيفة المدينة - أجرى المكاشفات: عبدالعزيز محمد قاسم - 18 / 3 / 2006م - 5:07 م
ذكر الشيخ عبدالمحسن العبيكان المفتش القضائي السابق والمستشار في وزارة العدل في ثاني مكاشفاته مع ملحق «الرسالة» بأن السبب الحقيقي في تطرف بعض الشباب السعودي هو بعدهم عن العلماء الراسخين في العلم، وأن الهوى الذي في أنفسهم هو سبب عدم أوبتهم ورجوعهم للمنهج الصواب، وأبان العبيكان عن رأيه بأن فكر «الإخوان المسلمون» هو فكر خارجي تكفيري، مستشهدا بكتابات سيد قطب الذي يؤصل لمبدأ التكفير ويكفر جماعة المسلمين والذي كان كان يدعو إلى العنف والخروج على الحكام بتعبير العبيكان.
وطالب فضيلته بالعودة إلى منهج السلفية مؤكدا على أن الفرقة الناجية المنصورة فقط هم من كان على مذهب السلف الصالح وأن التسمي في هذا العصر بالسلفية ضرورة للتفريق بينها وبين أصحاب المذاهب والتيارات الأخرى.
ورفض العبيكان تكفير طائفة الشيعة مؤكدا على أنهم من المسلمين، وأوضح بأنه والشيخ حسن الصفار بصدد إعداد وثيقة بين طائفتي السنة والشيعة يوقع عليها علماء الطائفتين وتكون ملزمة للجميع، وطالب بان تتبنى الدولة هذا التقارب عبر مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ..
والى تفاصيل المكاشف ة:
• عودا للمعضلة التي نمرّ بها كمجتمع ودولة تجاه هؤلاء التكفيريين والغلاة من شباب هذه البلاد حرسها الله وحفظها، بودي الاستماع منك عن أسباب خروج هذا الفكر؟
الشيخ عبد المحسن العبيكان
- أود في بداية التنويه الى خلطي في اسمي الشيخين عبدالظاهر أبو السمح والذي توفي قبل ولادتي ولم أدركه، والصحيح أنني أدركت الشيخ عبدالمهيمن أبو السمح، فأعتذر لهذا الخطأ. وعودا لسؤالك فالسبب هو بعدهم عن العلماء الراسخين.. كان الناس قديما في الزمن الذي أتكلم عنه يأخذون عن العلماء ويحترمونهم ويتورع الشخص من الخروج عن دائرتهم إلى أقوال صغير سن ومتعالم متفيقه، لكن الآن تجد صاحب الفكر المتشدد يبحث عمن يوافق أهواءه حتى لو كان من صغار السن، وقد يكون غير معروف فيقول قال الشيخ فلان. بعضهم يأخذ بقول أبي محمد المقدسي، وهو ليس من العلماء المعتبرين.. ووالله إنهم يعلمون أن الشيخ ابن باز والشيخ عبدالله بن حميد والشيخ محمد بن إبراهيم أعلم من المقدسي وغيره ممن يفتيهم، ولكن لأجل الهوى الذي في أنفسهم يبحثون عن الشخص الذي يفتي حسب أهوائهم، هنا المعضلة، المعضلة في أصحاب الهوى والشهوات وليست في الباحث عن الحق فهو يتجه إلى العلماء المعتبرين.
• يا شيخ عبدالمحسن.. دعني أرسم لك مشهد الساحة الفكرية الدينية: التيارات الإسلامية الفاعلة في المشهد السعودي المحلي تتبادل الاتهامات في منبت التكفير والسؤال: هل خرج التكفيريون من تحت عباءة السلفية أم التيار الصحوي.. أم كما قال آخرون: إن التكفيريين أخذوا التأصيل والفكر من التيار السلفي وأخذوا التنظيم من الإخوان.. ما هو تعليقك يا شيخ؟
- أقول: فكر «الإخوان المسلمون» فكر خارجي تكفيري ولا شك، حتى لو كان هناك من يحاول أن يلتمس لهم الأعذار، فإن كتبهم تشهد بذلك، ونجد سيد قطب يؤصل مبدأ التكفير ويكفر جماعة المسلمين وكان يدعو إلى العنف والخروج على الحكام، وهذا مذهب الخوارج، وقد أدركوا الآن خطأهم وعدم نجاح هذا الفكر، ومنذ سنين طويلة ما الذي قدموه للمسلمين؟ لم يقدموا سوى الضحايا.. هذا يسجن وهذا يشنق، وقد ضُيّق على الدعوة بسبب أفعالهم وتصرفاتهم، فقد ضيّق على الدعوة في مصر وسوريا وليبيا وتونس.. ضيّق على كل متدين، لأن هناك فئة تأمر بالخروج وتنظم تنظيما سريا لأجل الإطاحة بعروش هؤلاء الحكام، وبطبيعة البشر أن الإنسان لن يسكت على من يحاول إسقاطه، فنجد أنهم استَعْدوا الحكام.
ونحن لا ندافع عن الحكام، فهناك من الحكام والعياذ بالله من ابتعد كثيرا عن الدين وأحجم عن تطبيق أحكامه، لكن هل في الأعمال التي قاموا بها مصلحة وثمرة أم أنها كانت عكسية؟ بالطبع كانت عكسية.. في بادئ الأمر كان هؤلاء الحكام منصرفين عن الدين، لكنهم لم يحاربوا أهل التدين أو المطالبين بتطبيق الشريعة ولم يتعرضوا لهم وكانت المساجد معمورة والناس أحراراً في ممارسة عباداتهم. فلما رأى الحكام أن من المتدينين من يسعى لإثارة الفتن، ويسعى لإسقاطهم شنوا حملة على جميع المتدينين وضيقوا الخناق على الدعوة، والله المستعان، فلم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا السلف الصالح، القيام بالأعمال السرية والسعي لتولي السلطة، وفي الحديث الذي اخرجه ابن ابي عاصم في «السنة» عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يارسول الله أوصني، فكان من الوصية «وعليك بالعلانية وإياك والسر»، وأخرج اللالكائي في السنة عن الأوزاعي قال: قال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله ورضي عنه - «إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم بشيء دون العامة، فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة»، ولكن بالنصيحة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب الأصول الشرعية.
بين فكر الإخوان والخوارج :
• ربما يحتج عليك أحد معارضي هذا الحديث يا شيخ عبدالمحسن ويقول: أنت صنفت فكر «الإخوان المسلمون» ضمن مذهب الخوارج، ولكن من متابعتنا لهؤلاء التكفيريين الشباب لم نجد أحدا منهم يستشهد بأقوال نجدة الحروري أو نافع بن الأزرق وقطري بن الفجاءة أو الطرماح بن حكيم، بل هم يذمونهم مثلكم وكانت استشهاداتهم بأقوال وفتاوى الشيخ محمد بن عبدالوهاب وابن تيمية ومحمد بن إبراهيم وهذه منتدياتهم وأبحاثهم وفتاواهم متاحة ليس فيها نقل واحد عن الخوارج، بل أبعد من ذلك ليس فيها نقل واحد عن حسن البنا أو المودودي أو محمد عبده أو الأفغاني وثمة نقولات قليلة لسيد قطب لا تقارن مع نقولهم لابن تيمية وابن القيمبكيف تعلق على هذه الشبهة؟
- أعلق على هذا أنهم لو نقلوا عن أئمة الخوارج لما قبل منهم البتة، والحق أنهم يظنون أنهم على منهج سلفي، وكم من مريد للخير لم يصبه، ولأجل أن يقنعوا العامة بأن ما يسيرون عليه هو طريق سلفي صحيح أخذوا يحمّلون نصوص الأئمة ما لا تحتمل ويحرفونها ويؤولونها ويحملونها على ما يوافق الفكر الذي يعتنقونه، وإذا تأملنا كلام هؤلاء الأئمة مثل الشيخ ابن تيمية أو الشيخ محمد بن عبدالوهاب نجد أنه بعيد كل البعد عما يفهمونه، تجد مثلا الشيخ محمد بن عبدالوهاب يكرر دائما: لا أكفر إلا من كفره الله ورسوله أو أجمع المسلمون على تكفيره.. يكفينا هذا. وهذا تصريح منه بأن هذه عقيدته ثم يأتون بكلام له فيه احتمال ويأخذونه..
أضرب لك مثلا: الشيخ محمد بن إبراهيم له فتوى صريحة في عدم تكفير من حكّم القوانين الوضعية، وهناك له فتوى احتمال تكفير من يحكم القوانين الوضعية على إطلاقه، فأخذوا بهذه التي فيها احتمال وتركوا الصريحة، هؤلاء فقط يبحثون عن المشتبهات، ولا يردون المشتبه إلى المحكم، والقاعدة الشرعية: يرد المتشابه إلى المحكم من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم. وهم يبحثون من الكلام الذي فيه إيهام ويتركون الأقوال الصريحة رغم أن كلام الأئمة واضح.
هم يلبسون لباس السلفية لكنهم ينتهجون منهج الإخوان ومنهج الخوارج، شعروا أم لم يشعروا.. شاءوا أم أبوا..هم في الحقيقة يلبسون فقط عباءة السلفية، والسلفية منهج كامل. قد يخطئ أحد الأئمة السلفيين في مسألة، ويأخذ بعض العلماء ببعض آراء الأشاعرة فيصنف أشعريا وهذا خطأ، وقد صنفوا ابن حجر والنووي على أنهم أشاعرة وهذا خطأ.. وهؤلاء لا يفرقون بين من تبنى المذهب وأخذ بأصوله وقواعده، وبين من رأى رأيا يوافق في مسألة أو مسألتين بعض آراء الأشاعرة ويكون مخطئاً فهذا لا يجوز الحكم عليه بأنه أشعري.
والشيخ محمد بن عثيمين على جلالة قدره أخطأ في مسألة المعية، ورد عليه المشايخ الكرام، وكان بالطبع باجتهاد منه بالرغم من انه إمام وعالم جليل، الإنسان ليس بمعصوم، هل نقول لهذا العالم الجليل أنه جهمي؟ لا يمكن أن نتهمه بذلك، لكنه أخطأ في هذه المسألة، والخطأ مردود، ولا يزال إماما عالما جليلا سلفيا.
• كلامك هذا يا شيخ عبدالمحسن لو سحبناه على موضوع الإخوان المسلمين، وقام أحد المدافعين عن الإخوان وقال لك: الشيخ ابن عثيمين أخطأ والتمست أنت له العذر، ولم يوصم المذهب السلفي كله بالجهمية، بنفس القياس لو طبقناه على «الإخوان المسلمون» نجد ان سيد قطب فقط هو الذي تطرف بفكره فأخذت أنت كلامه وعممته على جميع فكر الإخوان بالرغم من وجود من خالف فكر سيد قطب..ألم تقع في عدم الموضوعية والعلمية بل عدم الإنصاف أيضاً؟.
- التراجعات التي حدثت للإخوان دليل على الخطأ الكبير الذي ارتكبوه في حق الأمة. الإخوان يتبنون فكراً وليس اجتهاداً في مسألة، هذا منهج متكامل له أصول. ألا يكفيهم أن يكونوا من جملة المسلمين، وأن ينتهجوا منهج السلف الصالح. لماذا تنشأ الجماعات وينشر مفهوم التحزبات؟ أليس في هذا تفريق لوحدة المسلمين؟.
• ولكنهم، بحسب قياداتهم، لا يأخذون بالتكفير الذي عليه سيد قطب، بل ردّوا عليه تنظيراته التي كتبها كالهضيبي؟
- حسن البنا رجل وضع قواعد وأصولاً، وهناك ما يثبت أنه كان يشجع العمليات التخريبية والتدميرية ولكنه تملص منها. نحن لا يعنينا الأشخاص للقدح فيهم، فقد قدموا إلى ربهم، أحسنوا أم أساؤوا، ونسأل الله الرحمة والمغفرة لكل من مات على الإسلام، وأسأل الله ألا نتحمل ذنب مسلم، لكن يهمنا المنهج الصحيح.. المنهج السلفي الذي عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم فمن خرج عنه سواء كان إخوانياً أو تبليغياً أو سرورياً فعليه أن يعود إلى المنهج الصحيح. الإخوان فيهم علماء، بعض الذين انخرطوا في هذا التنظيم هم علماء للأسف، ويشار لهم بالبنان، لكن ربما يكونون ممن لم يعرف حقيقة هذا المنهج فقد يعذرون، ولكن مادام أنه تبين اليوم حقيقة الفكر والمنهج يجب على كل من اعتنق هذا المنهج أن يرجع ومن رجع فهذا طالب حق ومن ظل ينافح عن منهج «الإخوان المسلمون» فأنا أعتبر أنه يغالط ومصرّ على الخطأ...
أداة القياس على الكل:
• سأساجلك هنا، وأنا والله يا شيخ عبدالمحسن لست إخوانيا ولم أك يوما في حياتي منهم كي لا يطير البعض من مدمني التصنيف بذلك، وأقول: قياسا على ما ذكرت، هل يحق للغرب إذاً وصم السلفية السعودية بأنها سبب الإرهاب بقياسك أنت على قضية الإخوان..أبسط لك المسألة..أنت تقول إن الشيخ محمد بن إبراهيم له فتاوى في مسألة تكفير الحكام، لكن الذي نراه والذي يعلق في مساجدنا ويعلم للأجيال هي الآراء الغالية، ورداً على مثالك، تتذكر المكفرات العشر للشيخ عبدالعزيز بن باز على تسامحه وحكمته ووسطيته، والتي تعلق في مساجدنا كمثال.. إذاً مع الغرب الحق أن يحكموا علينا بالتكفير والغلو بنفس قياسك.
- لا ليس معهم حق، فيجب الرجوع إلى أقوال المحققين وإلى المختصين في هذا المجال ليعرف الصواب من الخطأ ولا ينظر إلى بعض ما ينشر وقد يحرف أو يفهم منه ما لا يقصده صاحبه.
• ولكن يا شيخ عبدالمحسن العامة يقرأون ذلك ولا يعرفون هذه التفاصيل..
- ولكن يا أخ عبدالعزيز: هل يُحكم على مجتمع ومنهج عام بأقوال وأفعال بعض الشذاذ، هذا تجنٍ كبير على الإسلام، من خرج عن منهج الإسلام الصحيح هو من يحارب وليس الإسلام. والمشكلة ليست في العامة، المشكلة فيمن يتصيد الأخطاء الصادرة من البعض أو ينسب إلى الإسلام ما يصدر من الشذاذ، أما العامة فعليهم الرجوع إلى محققي العلماء.
تكفير الدولة العثمانية:
• وإذاً، ألست معي أن تراث وكتب أئمة الدعوة السلفية تحتاج إلى إعادة نظر وتصحيح وتبين الصواب منها والخطأ، فـ«الدرر السنية» مليئة بالتكفير كتكفير الدولة العثمانية وبعض تراث العلماء الذي به أحكام غالية كانت مرتهنة لظرفيها الزماني والمكاني، وتداخل فيها التاريخ والسياسة، أضرب لك مثالا بتكفير القذافي وجملة من الأمور التي تؤخذ على منهجنا السلفي وتحسب عليه.
- أنا أدعو إلى تشكيل هيئة علمية بمستوى عال من العلماء المعتدلين، وتكون عليها مسؤولية بيان المنهج الحق في المسائل الحادثة والنوازل وبيان المنهج الصحيح السلفي، في كتيب صغير متداول ويطبع بعدة لغات وينشر في أنحاء العالم ويقال: هذا منهجنا الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، أنا معك يا أخ عبدالعزيز أن البعيد عن العلم والإسلام لا يستطيع التمييز، وربما وقع على رأي فيه تكفير وغلو وتطرف فنسبه إلى جميع المسلمين والإسلام ظلماً، وعليه أنا أتمنى على خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يحفظه الله وهو الرجل المتفهم والحريص على أن تتضح الصورة الحقيقية للإسلام ووسطيته أن يتبنى هذا المشروع خدمة للإسلام وصورته..
• يا شيخ عبدالمحسن أنت تقول عن مشروعك بأن يشرف عليه العلماء المعتدلون.. هل أفهم أن لدينا علماء غير معتدلين؟
- لاشك.. يوجد في كل زمان ومكان من العلماء المتشددين الغلاة بدون تسمية أحد.
• ما ذكرته مشروع ممتاز، ولكن يبقى جانب تنقية التراث السلفي يا شيخ عبدالمحسن، ألا ينبغي برأيك أن تتجه إليها جامعاتنا الشرعية مثلا عبر أطروحات الدكتوارة التي أتخمتنا بتحقيق المخطوطات، ونحن أشدّ ما نكون الى معالجات وتوضيح بعض الأخطاء في تراثنا.
- هذه مهمة جدا، وبالخصوص للدارسين كي يعرفوا الأقوال الشاذة، ألا تعلم أن بعض الرموز الدينية في بلدنا ما كانوا يعرفون التفصيلات التي ذكرتها في كتيب«حكم مظاهرة المشركين» إلى درجة أن أحد العلماء البارزين قال لي: ما سبقك أحد إلى هذا التفصيل العجيب. ولا يوجد في الكتب السابقة من فصّل التفصيل الذي وضعته، بالرغم من أنني لم آت بجديد، ولكنني نقلت كلام الأئمة فوضحته وفصلته في تلك الحالات مع نصوص الكتاب والسنة وكانت ردا قويا على المخالفين. أنا معك في ما طرحته وأتمنى على جامعاتنا أن تهتم بهذا الأمر.
سلاح تكفير الدول:
• سلاح تكفير الدول استخدمه هؤلاء الإرهابيون، وقد عايشنا في التاريخ القريب إبان غزو العراق من قبل الأمريكان شيئاً من هذا، بودي سماع رأيك يا شيخ عبدالمحسن حيال ذلك وخصوصا بأنك كنت أحد فرسان تلك المعمعة.
- كما قلت لك إنه لما أرادت أمريكا غزو العراق فرح بهذا المرجفون والأعداء والحاقدون، وقالوا لقد كفرت الدولة السعودية وحان وقت الخروج عليها، فرحوا بذلك بناء على أن إعانة المشركين على المسلمين كفر مخرج عن الملة على الإطلاق، ما فهموا التفصيل أو لا يريدون أن يفهموا التفصيل، كانت هناك حالة من التساؤلات وكانت تأتيني اتصالات من العسكريين على الحدود يقولون: كفرونا وأخرجونا عن الملة، فهل نحن كذلك؟ وكنت أوضح لهم بطلان هذا القول، وتبنيت تأليف الرسالة «حكم مظاهرة المشركين» وطبعت في الكويت ووزعت في مساجدها وعلقت على الأبواب، ثم طبعت في السعودية ونشرت على الإنترنت، فكانت ضربة قاضية على هؤلاء المرجفين، وتبين الناس أن إعانة المشركين ليست على إطلاقها كفر، فمنها ما هو جائز ومنها ما هو محرم فقط ومنها ما هو كفر.
ولو ثبت أن الدولة السعودية، وهذا بالطبع كلام باطل ولا دليل عليه، أنها أعانت أمريكا على الحرب في العراق فانه لا ينطبق عليه سوى القول بالجواز لأجل ما بيناه من ظروف وأحوال وأدلة، وهي في نص القرآن ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ وفي السنة في حديث حاطب بن أبي بلتعة مع أنه كان ليس بمعذور، بل ينطبق قول الله عز وجل ﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ وإن بعض الناس عندما قرأ هذه الآية ما كأنه قرأها، وهذا يذكرني بحادثة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لما قام عمر بسيفه يقول من قال إن محمدا مات ضربت عنقه، حتى قرأوا عليه الآية ﴿ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل ﴾ الآية فقال: كأنها لم تنزل إلا اليوم، «كما في الحديث الطويل الذي رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها» وهو يقرأها دائماً ويحفظها عن ظهر قلب. فنحن بحاجة ماسة إلى العقلاء والفقهاء في الدين، المتعمقين فيه، وإلى تصدى هؤلاء لتوضيح الأمور للعامة والرد على الغلاة، فلقد كانت رسالة «حكم موالاة ومظاهرة الكفار» ضربة قاضية للمنهج التكفيري وللمرجفين والحاقدين بحيث تبين أن الكفر بعيد عنا ولله الحمد، وأننا نسير على منهج صحيح في مراعاة المصالح ودرء المفاسد.
• عودا يا شيخ عبدالمحسن لملف التيار السلفي، فنحن نتكلم عن السلفية ويلف سؤال في خاطري عمن يمثل السلفية اليوم هل هي متمثلة في هيئة كبار العلماء أم في التيار السروري والصحوة أم في جماعة الشيخ ربيع مدخلي وأتباعه وفالح الحربي، بل وصل البعض به إلى أنك أنت يا شيخ لا تمثل السلفية، كل ذلك بسبب التشظي الحاصل. بودي سماع تعليقك.
- السلفية منهج وليست حزباً ولا متعلقة بأشخاص، وما يسمى بالجامية فيه تجن على السلفيين، فالشيخ محمد بن أمان الجامي رحمه الله تكلم عن النصيحة لولاة الأمر وانتقد الذين يخالفون هذا المنهج، فشنوا عليه حملة شديدة لأجل كلامه في الرد على منهجهم.
ذكرني هؤلاء بمن وصف المنهج السلفي بالوهابية، والوهابية ليست طائفة ولا مذهباً، ولكن أعداء السلفية أرادوا أن يشوهوا الصورة فسموها بالوهابية حتى ينفر الناس منها.. الآن كل من أمر بالاعتدال والسمع والطاعة للحكام وعدم الخروج عليهم، قالوا عنه جامي لكي ينفروا الناس عنه. لو سألت بعض الذين يقولون: جامية، عن حقيقة الجامية لم يعرف. يجب علينا أن نتقي الله ولا ننسب أحداً لطائفة دون أن نتأكد ونتثبت، وحتى من يرمي الناس بالإخوانية أو السرورية يجب عليه أن يتقي الله ويثبت أولا من أنه يتبنى هذا المنهج والتنظيم، ولا يصنف الناس بمجرد الظنون والتخيلات، أو رأى منه زلة كما قلنا في تصنيف ابن حجر والنووي من بعض الناس،صنفوهم أشاعرة لأجل موافقتهم للأشاعرة في مسألة معينة خطأً.
• وهذا ما دفع بعضهم إلى حرق كتب «فتح الباري» لابن حجر.. هل تقرّ هذا المنهج يا شيخ عبدالمحسن؟
- أعوذ بالله..، لا أقر أبداً ذلك. لم يفعله إلا الجهلة والغوغائيون هم الذين قاموا بتحريق «فتح الباري» و«صحيح مسلم» وكتب أهل السنة المعتمدة التي ينقل عنها أئمة الدعوة الإصلاحية وعلماؤها كما في «الدرر السنية» فكيف يقال عن هؤلاء سلفيون.
• سامحني يا شيخ عبدالمحسن، ولنضع النقاط على الحروف، فمن أفتى لهؤلاء الجهلة والغوغائيين بتعبيرك هو محسوب على التيار السلفي المحلي...
- لا تستطيع أن تقول إن جميع من ينتسب إلى التيار السلفي بأنه مصيب، فهناك من يخطئ، ولا ينسب خطؤه إلى السلفيين عموماً.
• لكن الإشكال الآن يا شيخ، وبسبب التشظي الذي أصاب التيار السلفي، أن كل فرقة تزعم أنها هي الفرقة الناجية والأخرى هي الهالكة..
- المعيار والضابط واضح فمن تمسك بالكتاب والسنة وسار على نهج سلف الأمة فهو سلفي وإلا فلا، للأسف نشهد الآن ظاهرة خطيرة، وهي أن الناس أصبحوا يعادون ويوالون بالأشخاص، انت على مذهب الشيخ فلان فأنت سلفي، وإن كنت على مذهب الشيخ فلان فأنت لست سلفياً. كل شيخ قد يخطئ في بعض المسائل، وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية إلى خطورة هذا الأمر وأن من اعتقد أن ما يقوله شخص معين هو الدين وهو الحق، فإنه ضال مضل لأن الجميع غير معصوم والكل يخطئ.
السلفية أم أهل السنة والجماعة:
• يا شيخ عبدالمحسن، أنت حصرت في إجابتك السابقة الفرقة الناجية على السلفية.. دعني اسأل عن معنى هذه الألقاب التي تسمى بها المسلمون: أهل السنة، الأشاعرة، السلفية، الصوفية، الشيعة.. لماذا يرغب السلفيون خاصة عن الاسم الذي ارتضاه الله لجميع المسلمين ﴿ هو سماكم المسلمين من قبل ﴾ ثم رغبتهم عن اسم السنة لأنه شاركهم فيه الأشاعرة وانفردوا باسم السلفية.
- في هذا الزمن أصبحت تسمية السلفية ضرورة. فقد كان في زمن الصحابة لا يعرف الناس غير الإسلام والكفر، فلما حدثت بعض الفرق كالخوارج والمعتزلة والجهمية، كان لابد من التمييز بين من كان على الحق ومن كان على الباطل. واستمر المسلمون على هذا فترة لا يعرفون من انتهج المنهج الصحيح إلا أهل السنة والجماعة حتى خرج من أهل السنة أناس عن المنهج الصحيح وهم من أهل السنة ولكن خالفوا، فاضطروا هنا إلى تسمية جديدة، فالأشاعرة والماتريدية داخلة في أهل السنة، فكيف يعرف من هو على الحق، ومن هو خارج عنه؟، فقالوا هذا سلفي وهذا غير سلفي.
• البعض يا شيخ يحيل السبب بهذه التسميات التي سببت الفرقة بين المسلمين إلى حديث «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» ما تعليقك يا شيخ عبدالمحسن على هذا؟
- نقول وقع ما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فحصلت الفرقة ونشأت الفرق، ولكن الحق مع فرقة واحدة، كما جاء في الحديث، وهي الفرقة الناجية المنصورة، وهم من كان على مذهب السلف الصالح رضوان الله عليهم.
• أنت تعتمد هذا الحديث، ولكن مخالفيكم يقولون بأن كثيرا من العلماء لا يصححون هذا الحديث، بل حتى الإمامين البخاري ومسلم تجنباه في صحيحيهما، بل وجدنا الإمام ابن حزم والإمام ابن الوزير يؤكدان أن الزيادة «كلها في النار إلا واحدة» زادها الزنادقة ليفرقوا بين المسلمين، حتى يتهم كل فريق الآخر بأنه في النار كما هو حاصل الآن وعلى مر تاريخ الأمة الإسلامية..
- أولا هذا الحديث اشتهر بين العلماء واعتبروه، وشهرته تغني عن القدح في سنده، ومعناه لا يتناقض مع ما جاء به القرآن والسنة قال تعالى ﴿ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ﴾ القرآن يأمرنا باتباع طريق واحد وترك الطرق الأخرى، وأيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور». «رواه احمد عن العرباض بن سارية وأبو داود في السنن وابن ماجه وصححه الألباني» وأصرح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «يأتي في آخر الزمان قوم، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة» «رواه البخاري ومسلم» فقوله: سيخرج أي هناك خروج عن الطريق الصحيح. وقال: اقتلوهم. وقال في الخوارج: «هم كلاب النار»«رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني»، وقال: «يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق».«رواه مسلم» إذاً أمرنا بقتلهم ونبذهم وأنهم في النار.. أليس هذا كافٍ بأن نقول إن من خرج عن النهج الصحيح ولو كان من المسلمين أنه في النار.
الصحابة وعلماء الأمة اختلفوا:
• ربما يا شيخ يعترض عليك احد مخالفيكم ويقول بأن الصحابة اختلفوا على المذاهب، وعلماء الأمة، في الفروع، وأهل الحديث كذلك اختلفوا بدليل أن البخاري لم يأت إلا بألفين وستمائة حديث عدا المكرر قناعة منه أنها الأصح وترك الباقي ثم تكاثرت الأحاديث، فهل يغدو منكرا للسنة من أخذ بشرط البخاري ولم يقبل بسواه. لم يحدث في يوم أن اتفقت الأمة في فروع الفقه والمعاملات وشؤون السياسة، بل أكثر من ذلك: سلفية اليوم أيضاً مختلفون، فهل كانت الأمة على ضلالة قبل الشيخ الألباني والشيخ محمد بن عبدالوهاب بل حتى قبل ابن تيمية..
الأستاذ عبد العزيز قاسم
- هناك اختلاف في الأصول واختلاف في الفروع، ولا مجال للاعتذار في الاختلاف في الأصول لأن الأصول واضحة وصريحة في الكتاب والسنة، والذي يخرج عنها ضال ولا يقبل منه اجتهاد، لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ما عذر الخوارج عندما فهموا الفهم الخاطئ وخرجوا عن الصحيح من النصوص بل أمر بقتلهم، ولكن نجد أنه قال عليه الصلاة والسلام: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.«رواه البخاري» هذا الحديث في الاختلاف في الفروع لأنه قال الحاكم ولم يقل أي فرد لأن القاضي هو الذي يتولى الحكم في الفروع، ولا أعرف قائلاً بأن الناس على ضلالة قبل هؤلاء الأئمة فلا تقولنا ما لم نقل.
• ولكن يا شيخ عبدالمحسن من يملك مفتاح الكتاب والسنة وقرار الفرقة الناجية، مع رفض الحديث من قبل الكثير كما ناقشنا، وسؤالي هل ترى أن التيارات والجماعات الإسلامية المعاصرة تدخل في الفرقة الناجية؟
- النبي صلى الله عليه وسلم جعل النجاة والفوز في فرقة واحدة، لأن الإسلام دين واحد، لا تعدد فيه بالنسبة للعقيدة والمنهج وإنما فتح المجال فقط للاجتهاد في الفروع. وإذا نظرنا إلى التيارات أو الجماعات المعاصرة نجدها توافق في مناهجها بعض الفرق الضالة، فإذا نظرنا إلى منهج الرسول صلى الله عليه وسلم هل كان يدعو إلى الدولة أم إلى العقيدة، بالطبع كان يدعو إلى العقيدة فلما قويت الدعوة قامت الدولة بدون إراقة الدماء، فكان يصبر على الأذى والمشاق ولم يخرج عن منهج الصبر على الأذى لارتكاب أدنى المفسدتين، فمكن الله له من يبايعه ويقيم له دولة في المدينة، ثم بدأ يصالح المشركين على بقائهم في مكة مع ما هم عليه من كفر وشرك، لأن المسلمين كانوا في حالة ضعف..
وهذا يخالف تماماً منهج «الإخوان المسلمون» فإنهم هدانا الله وإياهم أخذوا من منهج خوارج علي وخوارج عثمان، فخوارج علي قالوا لا حكم إلا لله أنت حكمت الرجال وتركت حكم الله، طبعاً كذب وبهتان على علي رضي الله عنه، فكفروه بشبهة واهية، وتركوا النصوص الصريحة في فضله ووجوب الاقتداء بسنته رضي الله عنه. وبعض زعماء «الإخوان» وافقوهم في هذه الصفة فقد كفر سيد قطب الأمة وحكامها لقوله بالحاكمية وكفر من حكم القوانين الوضعية على الإطلاق، مع أن ابن عبدالبر قال في التمهيد: وقد ضلت جماعة من أهل البدع من: الخوارج والمعتزلة، في هذا الباب فاحتجوا بآيات من كتاب الله ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» ا.هـ ومثله قال الجصاص وأبو حيان، وقال محمد رشيد رضا: أما ظاهر الآية لم يقل به أحد من أئمة الفقه المشهورين.
بل لم يقل به أحد قط ا.هـ، وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز بالتفريق بين من حكم بغير ما أنزل الله رداً للقرآن وجحداً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا كفر مخرج من الملة، وبين من حكم بغير ما أنزل الله ويعتقد أنه عاص لله حمله على ذلك رشوة أو عداوة للمحكوم عليه أو قرابة أو غيرها بأنه يكون عاصياً، وقد وقع في كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق. إذاً فقد كفروا المسلمين بهذه الشبهة كما كفر الخوارج عليا رضي الله عنه بذلك.
أيضاً هم يرون الخروج بحجة أن الحكام استأثروا بالأموال والوظائف، كما خرج خوارج عثمان بهذه الشبهة، وقتلوه لأنه وظف أقاربه واستأثر بالأموال كما يزعمون، فهم أخذوا من خوارج علي وأخذوا من خوارج عثمان رضي الله عنه، فكوّنوا هذا الفكر،وهذا فكر غير سلفي بالتأكيد، السلف يأخذون بقول الرسول صلى الله عليه وسلم في السمع والطاعة في المنشط والمكره واليسر والعسر، فإمام أهل السنة الإمام أحمد يرحمه الله كان ينهى عن الخروج على الحكام مع أنهم قالوا بخلق القرآن، وهو كفر عندهم.. فإذاً هذا المنهج الصحيح الذي لم تأخذ به جماعة «الإخوان».
بين قطعي القرآن ومظنون السنة:
• يا شيخ عبدالمحسن لنترك الإخوان وفكرهم ونعود إليك..مخالفوكم يقولون: كيف تستدلون بالمختلف فيه على أساس الحديث في الحكم على معظم المسلمين بالنار في مقابل نص قطعي في القرآن الكريم «الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون» وهم الفرقة الناجية الحقيقية وهم ﴿ الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون ﴾ ونحو هذا من الآيات الكريمة التي توجب الجنة لمن فعل هذه الأشياء من أي فرقة كانت.. كيف تعلق يا شيخ على تهمة بأنكم تخالفون قطعي القرآن بمظنون السنة؟
- أولاً نصوص القرآن لا تخالف السنة في هذا، والسنة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» «رواه أحمد» وقال تعالى ﴿ وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى ﴾ ولا يجوز أن نفرق بين الكتاب والسنة لأن ذلك منهج الخوارج قالوا: نأخذ بما في القرآن ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾ وتناسوا قول الله في القرآن ﴿ فاتبعوني يحببكم الله ﴾، ﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله ﴾ فالقرآن يأمرنا باتباع السنة، والآيات لم تقل: وإن خالفوا المنهج الصحيح لذلك قال ﴿ وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ﴾ و﴿ أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ﴾.
وأعود إلى موضوع «الإخوان المسلمون»، أرجو ألا يظن أحد أنني أحارب ذوات الرموز ولكنني أحارب المنهج، فلا أريد أن يعتب علي بعض الذين ينتهجون هذا المنهج بحجة أنني أقصد ذواتاً معينة. لأن بعضهم أحسن الظن فيه, وأعتبر أنه قد يأخذ بهذا المنهج وهو لا يعرف حقيقته، والبعض يظن أنه على حق، ولذلك فإن النظرة الشرعية في التكفير الذي هو أعظم من هذا أن لا يطلق على معين إلا بعد انطباق الشروط وانتفاء الموانع، فقد تنطبق الشروط في تكفيره لكن توجد موانع تمنع من ذلك، مثل الجهل أو الإكراه أو التأويل السائغ، فمن باب أولى أن لا نكفر أو نفسق إخواننا جميعاً إلا بشروط أيضاً.
وأنا أدعو لهم بالهداية ومعرفة الصواب وأحب لهم الخير والرجوع إلى جادة الصواب، وأقول لهم إن هذا المنهج لم يثمر إلا الدماء والتضييق على الدعوة وأهل الدعوة، ونأمل أن يكون المسلمون أمة واحدة وعلى منهج السلف حتى تجتمع قوتنا وكلمتنا ونتحد ضد عدونا بالاجتماع..
• ما قلته للتو إنصاف منك يا شيخ عبدالمحسن، ولكن تبقى إشكالية في تلامذتكم الذين يتبرعون بسخاء بتوزيع التهم بالطول والعرض، ومع انقلاب الدولة على منهج الإخوان باتت لفظة الاخوانية تهمة يُرمى بها كل من خالفهم، أبعد من ذلك تلك السذاجة والسطحية لدى بعض كتابنا في الصحافة - الموضوعيين جدا والعميقين جدا - وهم يفرّقون بين الإخواني والسلفي في الثوب واللحية، فكل من شذب لحيته وقصرها وأطال ثوبه حكموا عليه بأنه إخواني، وأي رجل أسبل لحيته وقصر ثوبه بات بنظرهم سلفياً..هل من توجيه في هذا الشأن؟
- إن الملاحظ على بعض من ينتهج نهج «الإخوان» عدم الاعتناء كثيراً بإرخاء اللحية وتقصير الثوب، وربما كان هذا السبب في وصف البعض لهؤلاء بالإخوانيين ولكن للأسف الشديد أصبح وصف الشخص أنه من هذه الفرقة أو من تلك من دون تحقق أو تثبت سهلاً عند البعض، لابد أن تكون هناك شروط وضوابط كما قلنا في التكفير لابد أن يكون الشخص يتبنى هذا الفكر ويصرّ عليه وينافح عنه ويعلم أصوله ويتبناها حتى يقال إنه إخواني. وأنا أدعو إخوتي إلى التثبت وأن يتقوا الله في المسلمين..
أرجو أن ترعى الدولة لقاءات التـقارب بيننا وبين طائفة الشيعة:
• سأنتقل إلى محور جديد يا شيخ عبدالمحسن وأسألك عن موقف التيار السلفي من طائفة الشيعة.. وبلا مواربة واختصاراً للطريق أقول: في المشهد السعودي المحلي؟
- أولاً تطلق لفظة «الشيعة» على شيعة علي رضي الله عنه الذين شايعوه من الصحابة وقاتلوا معه، ثم افترقت الشيعة إلى فرق منهم من خرج عن المنهج الصحيح الذي عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والسبب أنهم نسبوا أقوالاً إلى الأئمة الذين يرونهم معصومين، والعصمة للأنبياء والرسل فقط أما الأئمة فنحن نحبهم ونقدرهم، وربما أننا نقدرهم أكثر من غيرنا لأنهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن مأمورون على لسانه صلى الله عليه وسلم أن نجلّ أهل بيته ونكرمهم ونتقرب إلى الله بمحبتهم وإجلالهم..
أهل السنة عندهم إنصاف، وهم يأخذون الحديث ولو كان في سنده رجال من الشيعة، إذا عرفوا بالصدق، فالشيعة يعتمدون على أقوال عن الأئمة الاثني عشر بدون أن يكون هناك إسناد صحيح عنهم، ولو ثبت لدينا ما يقول هؤلاء الأئمة فنحن أول من يتبعهم ويقتدي بهم، ولكن أين الثابت عنهم، فقد قال عدد من علماء الشيعة منهم الشيخ حسن الصفار إن في كتاب «الكافي» الذي يعتبرونه مثل صحيح البخاري، قالوا فيه أحاديث غير صحيحة، نحن وإياهم نجتمع على رب واحد ونبي واحد فلماذا الاختلاف إذاً؟ لماذا القدح في الصحابة وشتمهم، وقد زكاهم الله ومدحهم رسوله صلى الله عليه وسلم؟ كيف نحب الرسول صلى الله عليه وسلم ونقدح في أصحابه؟.
• هناك خلاف بين الشيعة أنفسهم، فقد حدثني أحد أئمة الشيعة في لبنان بأنهم يخالفون شيعة الأحساء ويخالفون شيعة إيران.. فلماذا لا يجتمع المسلمون على تحكيم الكتاب والسنة والرجوع إلى تصحيح الأحاديث والأقوال والبحث عن الأسانيد، أنا أعتقد أننا لو اجتمعنا نحن وإياهم في أن نصحح هذا التراث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة وما ينقل عن الصحابة لما حصل نزاع ولاتحدت الأمة.
- هم داخلون في عموم المسلمين، والتكفير أو التفسيق ليس بالتعيين لأنه يحتاج إلى تحقق الشروط وانتفاء الموانع..
• إذاً أنت ياشيخ عبدالمحسن تدخل طائفة الشيعة في عموم المسلمين، غير ان اخواننا هؤلاء يشتكون بأنكم تكفرونهم..
- ليس بصحيح..هم يدخلون في عموم المسلمين، ولكن قد يرتكب بعضهم بعض المكفرات، فنقول هذا العمل أو القول كفري ولكن لا نكفر العامل به أو قائله إلا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع، كما نطبق هذا في أهل السنة الذين نرى أنهم ارتدوا، هذا قول محققي العلماء.
• كيف ترى انتشار الأحكام على هذه الطائفة في الكتب السلفية بالاستتابة والقتل إن لم يتوبوا، فكثير من المصادر العقدية السلفية تقول بهذا.
- هذا الكلام فيه إجمال وليس بدقيق، القول بالتكفير والاستتابة بشكل عام خطأ، لهذا يقول جمع من المحققين: إن تكفير المعيّن لا يجوز إلا بعد أن تقام عليه الحجة ويعاند ويكابر.
كما نرى أن بعض أهل السنة والجماعة يطوفون على القبور ويسألون أصحابها تفريج الكربات وقضاء الحاجات، هؤلاء عملهم كفري لكن لا نكفر من كان منهم جاهلاً، لوجود مانع الجهل وهذا يطبق على الجميع.
• قلت يا شيخ عبدالمحسن للتو بأنه ينبغي أن يجلس علماء من أهل السنة ومن طائفة الشيعة مع بعضهم كي يصححوا كثيراً من الأحاديث وأسانيدها..
الشيخ حسن الصفار والأستاذ عبد العزيز القاسم
الشيخ حسن الصفار في مكاشفاته معي في ملحق «الرسالة» طرح مشروعا للتفاهم بين الطائفتين ملخصه: بأننا طيلة 1400 عام، لم يستطع أهل السنة تسنين الشيعة ولم يستطع الشيعة تشييع أهل السنة، ولم يك بينهم إلا الدماء والحروب والخلافات، وطلب الصفار بأن يقوم عقلاء الطائفتين بعقد اتفاق يعلن للأمة، تحترم الخصوصيات للطائفتين بحيث لا يكون هناك تعدّ مثل سبّ الصحابة أو النيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من قبل الشيعة، وكذلك في المقابل لا يكفر السنة طائفة الشيعة، بحيث يقوم عقلاء الشيعة وعلماؤها بتأديب الجهلة منهم، في ذات الوقت يقوم عقلاء السنة بردع الذين يكفرون تلك الطائفة، ولتجتمع الطائفتان على ما سماه التفاهم في قضايا منهجية ومصيرية عامة ومشتركة، كي تتوحد الأمة وتتجه إلى عدوها المتربص بها سواء كانت إسرائيل أم الامريكي الجاثم بالعراق.
كيف تقيّم مثالية هذه الدعوة يا شيخ عبدالمحسن من واقعيتها؟
- قبل عدة أشهر حصل اجتماع بيني وبين الشيخ حسن الصفار وبعض الشيعة في منزل سمو الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز جزاه الله خيراً، وهو من بادر في حصول هذا الاجتماع، واتفقنا أن نرجع إلى الأصول، ونبدأ في مناقشة الكتب التي يعتمد عليها الشيعة في بعض ما يعتقدونه، واتفقنا أننا نحكم الكتاب والسنة الصحيحة وأن ننبذ ما يعتقده بعض الشيعة في الصحابة من ذم وقدح وسبّ.
وقد أرسل لي الشيخ الصفار بعض الكتب، ولم تسنح لنا الظروف أن نلتقي، ولعل اللقاء يتجدد للتفاهم لأنه ضروري وقد اقترحت بأننا إذا انتهينا من صياغة الوثيقة فيوقع عليها علماء من أهل السنة وعلماء من أهل الشيعة بحيث تكون ملزمة للجميع وتنشر بين الناس وتتحد الكلمة ان شاء الله.
• يبقى السؤال هنا: هل هذه مبادرة فردية منك؟ أم أن هناك جمعاً من العلماء في هيئة كبار العلماء وغيرهم يؤيدون مثل هذا المسعى الذي تقومون به؟
- ما اقترحته هو باجتهاد مني وعرضته على بعض المشايخ الفضلاء فأيدوه.
• لكن الذي نعرفه أن جمعاً من علمائنا في السعودية لا يرون تقاربا مع هذه الطائفة؟
- لا أعتقد ذلك.. إلا ان هناك من يقول إننا لا نقتنع بمصداقية الشيعة لأنهم يلجأون إلى التقية. هذا عذرهم، ولكنني أرى أن هذا من الخطأ، فغير صحيح أن نكون في منأى عنهم أو هم في منأى عنا هم من مجتمعنا ويعيشون بيننا ولا بد أن نصل نحن وإياهم إلى نتيجة، ومع التفاهم والنقاش والحوار إن شاء الله نصل إلى نتيجة مرضية، لأن كثيرا من الشيعة هم من العامة الذين لا يعرفون أصول الشيعة، وربما لو عرف الأصول غير المرضية، والتي ينكرها علماء الشيعة كالشيخ حسن الصفار ربما يعدل عن معتقده.
• أنا أحيي فيك شجاعتك الأدبية يا شيخ عبدالمحسن على هذه الخطوة التقاربية، وخصوصا أن رجلاً مثل الشيخ حسن الصفار يعتبر من عقلاء تلك الطائفة فهو يحرّم ويجرّم من يسبّ الشيخين وأم المؤمنين رضي الله عنهم، ولا يرى إلا مصحفنا، بل قرأ وتربى الرجل على كتب القرضاوي والغزالي وجملة من علماء السنة، ومن الحكمة إشهار مثل رؤيته ومساندته على الغلاة في طائفته؟
- الحقيقة أنا أتفاءل كثيراً بالاجتماع مع الشيخ حسن الصفار، ولعل هذه بادرة أرجو أن تكون تحت مظلة الدولة، لتهيئة الأجواء..
• اسمح لي بمخالفتك الرأي بإقحام الرسمي في مثل هذه الحوارات، فقد تضعف نتائجها ويصرفها المعارضون إلى أنها نوع من الضغط والجبر اللذين مورسا عليكم كي تتجهوا بنتائجها إلى وجهة هو يريدها، ما زالت عقلية الستينيات هي السائدة، أتصور أن المبادرات الأهلية والفردية بعيدا عن المظلة الرسمية ستكون لها مصداقية كبيرة لدى المفكرين والعامة أيضا؟
- أنا لا أقصد المظلة الرسمية التي فيها نوع من التعقيد أو الإلزام، إنما فقط تهيئة الأجواء والظروف وتشجيعها وجمع العلماء، فمثلاً لو طلبت أن يجتمع العلماء ربما لا يستجيب لي كل من أريد، ولكن لو كان تحت مظلة الدولة ودعي الجميع مثلاً للاجتماع في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، فهذا جيد ويعطى الجميع الحرية في النقاش، وليس المقصود هو سل السيف والإجبار ﴿ لا إكراه في الدين ﴾ حتى غير المسلم لا تستطيع إكراهه للدخول في الإسلام. الحوار بين الطائفتين مطلوب، وأنا أرجو الوصول إلى نتيجة لعلها إن شاء الله تكون مقنعة وتتحد بها الكلمة.