[align=center]
منذ فجر العيد بل وفي ليلته ؛ وعابرو الطرقات يشمون أصوات الأغاني تصدح من سيارات الشباب قبل سماعها بآذانهم , وإني وإن علمت أن الشباب عماد الأمة , ومستقبل الحضارة ؛ فإني لا آبه لشيء كما آبه لقواي حين أستجمعها ألمًا فلا أكاد أحس بمن حولي .
لقد خدرتنا مقولة أن ما يصنعه الشباب لا يعول عليه , فهم في طور النمو ولمّا يعقلوا بعدُ , وما رأيت أشد غباوة من تلك المقولة ؛ ذلك لأنا لو سلمنا – جدلاً – بتلك المقولة , لما رأينا المجموعة الشمسية لأولئك الدعاة وهم يستهدفون الشباب في وعظهم ونصحهم , وما رأينا الغزو الفكري يوجه سهامه المميتة نحوهم , فليت شعري كيف أقنعوا هؤلاء الدعاة أنفسهم حين راموا إقناع شبابنا ؟ !
لقد أصبح الدعاة يطالبون الشباب بما لا يقدرون عليه , فكأن ما ينادون به ضرب من الخيال , أو تخيل أديب , بل – وأيم الله – كلام محمومٍ آخذ بالهذيان ما شاء له أن يأخذ به , فكأني بكثير من الشباب قد استخرجوا ذلك الوقر من آذانهم حين كانوا رهيني مجالس الدعاة ووعظهم , ثم راحوا ينشدون طبيعة جيلهم وعصره الذي يأمرهم بما استجد فيه من إعلام مصوب .
كنت أقول إن مقولة الدين والدولة لا يجتمعان خاطئة , فتلك زراية أعداء الدين , ولكنني أجد الدولة - مجبورة أو راضية – تمُكِّن لبعض المخالفات بأن تشيع في بلادنا , فما بال العقلاء لا يعترفون بأن التيار الجارف أكبر من أن يقفوا في وجهه ؟ !
لقد أصبح الشباب اليوم يعيش حالة تضوع بالاضطراب والازدواجية , فهو يحب الدين , وينصت للداعية , ويضيق ذرعًا بالمنكر في عقله الباطن ؛ لكن عقله الظاهر يخالف , نلحظ ذلك بعد استماعه للداعية , فلا يلبث إلا أن يهزَّ رأسه كناية عن عقل الحديث , ثم يعود إلى سيرته الأولى .
لو كنت داعية لبدأت أحدث الشباب عن فن من فنون الصناعة , أو درسًا في الحاسب الآلي , ولطالبت بإلغاء تلك الدروس العلمية الشرعية في الجوامع , ورحت أستبدلها بفن من فنون التقنية الحديثة , فالأمة بحاجة إلى العلم التقني , أما علم الشريعة فقد كادت أن تضج الأمة بكثرة حملته , فالكتاب موجود بإزاء الفتاوى , فلا أظن أن طالب العلم الشرعي سيعجز عن تعليم ذاته بذاته في عصرنا هذا .[/align]