بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة ، المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله .
- فمنها حرمان العلم ، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تطفئ ذلك النور .
- ومنها حرمان الرزق . وفي المسند (( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ))
- ومنها وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا توازنها ولا تقارنها لذة أصلاً .
- ومنها الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ، ولا سيما أهل الخير منهم .
- ومنها تعسير أموره، فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه .
- ومنها ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم .
- ومنها أن المعاصي توهن القلب والبدن .
- ومنها حرمان الطاعة .
- ومنها أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولا بد .
- ومنها أن المعاصي تزرع أمثالها ، ويولد بعضها بعضاً ، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها .
- ومنها (وهو من أخوفها على العبد ) أنها تضعف القلب عن إرادته ، فتقوى إرادة المعصية ، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً ، إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية فلو مات نصفه لما تاب إلى الله .
- ومنها أنه ينسلخ من القلب استقباحها ،فتصير له عادة ، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ، ولا كلامهم فيه .
- ومنها أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل ، فاللوطية ميراث عن قوم لوط ، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب ، والعلو في الأرض بالفساد ميراث عن قوم فرعون، فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم .
- ومنها أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه .
- ومنها أن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه . وذلك علامة الهلاك .
- ومنها أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه .
- ومنها أن المعصية تورث الذل ولابد ، فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى .
- ومنها أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين .
- ومنها أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- ومنها حرمان دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوة الملائكة .
- ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن .
- ومن عقوبات الذنوب أنها تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن .
- ومن عقوباتها ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب ، وهو أصل كل خير ، وذهابه ذهاب الخير أجمعه .
- ومن عقوبات الذنوب أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعف وقاره في قلب العبد ولابد شاء أم أبى ويترتب على هذا أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق ، ويهون عليهم ويستخفون به كما هان عليه أمر الله واستخف به .
- ومن عقوباتها أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه ، وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه ، وهناك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة .
- ومن عقوباتها أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه ثواب المحسنين .
- ومن عقوباتها أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة أو تعوقه أو توقفه وتقطعه عن السير .
- ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم ، فما زال عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلت به نقمة إلا بذنب .
- ومن عقوباتها ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي ، فلا تراه إلا خائفاً مرعوباً .
- ومن عقوباتها أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب ، فيجد المذنب نفسه مستوحشاً ، قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه ، وبين الخلق وبين نفسه ، وكلما كثرت الذنوب كثرت الوحشة .
- ومن عقوباتها أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه .
- ومن عقوباتها أنها تعمي بصيرة القلب ، وتطمس نوره .
- ومن عقوباتها أنها تصغر النفس وتقمعها ، وتدسيها وتحقرها حتى تكون أصغر من كل شئ وأحقره كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها .
- ومن عقوباتها أن العاصي دائماً في أسر شيطانه وسجن شهواته وقيود هواه .
- ومن عقوباتها سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه .
- ومن عقوباتها أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف ، وتكسوه أسماء الذم والصغار .
- ومن أعظم عقوباتها أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى ، وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير واتصلت به أسباب الشر .
- ومن عقوباتها أنها تمحق بركة العمر ، وبركة الرزق ، وبركة العلم ، وبركة العمل ، وبركة الطاعة .
-ومن عقوباتها أنها تجعل صاحبها من السفلة بعد أن كان مهيئاً لأن يكون من العلية .
- ومن عقوباتها أن تجرئ على العبد من لم يكن يجترئ عليه من أصناف المخلوقات فتجترئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين وتجترئ عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره ، ويجترئ عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم .
- ومن عقوباتها أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه .
- ومن عقوباتها أنها تعمي القلب.
- ومن عقوباتها أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه .
- ومن عقوباتها أنها تنسي العبد نفسه ، وإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها .
- ومن عقوباتها أن تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة .
قال عبدالله بن المبارك :
رأيت الذنوب تميت القلوب ********** وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب ********* وخير لنفسك عصيانها
باختصر من كتاب (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) للإمام شمس الدين محمد بن ابي بكر ابن قيم الجوزية .
العرض المتطور
