أن يصادفك أثناء سفر للخارج أحد أبناء وطنك ويطلب منك مساعدة بسبب عدم توفر مال لديه، فهذا ليس شيئا جديدا، ولكن المفاجئ والغريب حقا أن يأتي إليك شاب سعودي وسيم ومعه امرأة متغطية بالكامل بالغطاء المحلي ويخبرك أنها زوجته وأنهما في شهر العسل في مدينة دبي وأن لديهم مشكلة مع بطاقة الصراف ويطلب منك (الفزعة). هذا بالفعل ما حدث لي الأسبوع الماضي حيث كنت أتسوق في أحد الأسواق الحديثة في دبي (سوق ابن بطوطة) وإذا بذلك الشاب السعودي يقف أمامي ومعه زوجته ويقول (مساك الله بالخير)، أنا عرفت أنك سعودي وأبغى منك فزعة.. قلت له: خيراً.. فقال: أنا والله منحرج منك ومتأسف جداً، هل لديك بطاقة صراف الراجحي، فأجبته بعفوية ومن باب النخوة بابن البلد: نعم لدي.. ماذا تريد؟ قال لي إن بطاقته تعطلت وأنه الآن في شهر العسل وأنه بحاجة ماسة لمبلغ 2500 ريال لكي يدفع قيمة سيارة الإيجار التي معه وأنه سيغادر للرياض اليوم.. قلت له: وما المطلوب بالضبط!! قال فقط أن تسمح لي بأن أتصل بأحد الأشخاص بالرياض ليحول المبلغ إلى حسابك ومن ثم أنت تسحبه وتسلمه لي!! شككت به ولم ترق لي طريقته وكدت أن أعتذر منه ولكنني لم أفعل ذلك من أجل المرأة التي معه وقلت له: لنذهب للصراف لأتأكد إن كانت البطاقة تعمل حيث إنني لا أستخدمها كثيراً، وبالفعل ذهبت للصراف وأدخلت بطاقتي وتأكدت أنها تعمل وأن الحساب فيه مبلغ قليل من المال، فقلت له: اتصل بصاحبك واطلب منه أن يودع المبلغ الآن (فادعى أمامي) أنه يتصل بشخص يعمل لديهم وأخبره برقم حسابي بعد أن أعطيته إياه، فجلسنا قليلاً في أحد الكراسي القريبة من الصراف ننتظر أن يخبره صاحبه بأن المبلغ تم إيداعه، وفي هذه الأثناء أخبرني باسمه وأنه من عائلة معروفة وأنهم من الرياض (لهجته عكس كلامه) وأن لديهم محطات وقود ومكاتب خدمات عامة وأن حالهم المادي ممتاز جدا ودعاني للعشاء في الرياض!!!!. أعطاني اسماً غريباً لم أسمع به من قبل ووصف لي إحدى محطات الوقود التي يملكونها وكلها كانت معلومات مثيرة للشك، بعد دقائق ادعى أنه تلقى مكالمة من زوجته وأخبرها بأن تنتظر في المكان الذي تركها فيه وأنه ينتظر وصول المبلغ (محاولا استثارة عطفي) وبعدها اتصل بصاحبه فأخبره أنه أودع المبلغ، فطلب مني أن أسحبه وأسلمه له مشكوراً وأنه لن ينسى ذلك الجميل أبداً.
على الرغم من تجاوبي معه في البداية إلا أنني شككت فيه، وبالتالي لم أسحب المبلغ الذي طلبه بل قمت بالتأكد من الرصيد وهل تم الإيداع فيه أم لا، ولم أجد أي عملية إيداع فأخبرته بذلك، فقال أنه متأكد وأعاد الاتصال بصاحبه الذي أكد له الإيداع فذهبنا لآلة أخرى فقط للتأكد ومن (باب حسن النية)، وكررت نفس العملية ولم أجد شيئا، بعدها أيقنت أن هذا الشاب (لص محترف)، وأنني الآن يجب أن أكون حازماً معه (وأدع وطنيتي ونخوتي العربية جانبا)، فقلت له باللهجة العامية (ما عندكم سالفة) وأخبرته أنه أضاع وقتي وأني مضطر للذهاب، فحاول أن أنتظر، وقال يا أخي اسحب المبلغ الآن وأعطني لو 1500 ريال والباقي يأخذ مني في الرياض، فقلت له: أنا آسف، وأعطيته رقمي وقلت له: اتصل بي بالرياض وإذا دخل المبلغ في حسابي سأعيده لك وأنا (لن آكل حقك)، عندها عرف جديتي، فقال وبكل وقاحة: إذا وصلك المبلغ فهو لك!!!!
وبعد أن تركته، تولدت لدي مجموعة من الأسئلة التي لا أعرف إجابة لها: هل وصل الحال ببعض شبابنا أن يستغفل أبناء وطنه ويحاول سرقتهم؟ هل بالفعل كانت تلك المرأة زوجته، أم أنها كانت لتسهيل المهمة وتصديق الآخرين له؟ كم محاولة عملها مع غيري ونجح فيها؟ أليس هذا تشويها لنا ولوطننا في الخارج؟ كم عدد ضحاياه من الناس الطيبين؟ هل طيبتنا مع بعضنا عرضة للاستغلال من ضعاف النفوس؟
يعلم الله أنني تحسرت وتألمت وحزنت حزنا شديدا على حال ذلك الشاب، وعلى تساهله وكذبه وعدم مخافته من الله!!! أسأل الله العلي القدير أن يهديه وأن يعيده إلى وطنه وأهله تاركا امتهان ذلك السلوك المشين. وأحذر كل من يسافر للخارج حتى في الداخل من الطرق الحديثة للتسول التي تستغل طيبتنا ولا تجد من يردعها.
منقول