رأيت من عد الكتابة والخطابة هي الفن الأول للعرب، بل ويقدمها على الشعر ويأبى أفضليته عليها، ويربط ذلك بأفضلية النثر على النظم إجمالاً، لأن النثر - كما يورد أبو حيان التوحيدي- (( من قبل العقل، والنظم من قبل الحس، ولدخول النظم في طي الحس دخلت عليه الآفة وغلبت عليه الضرورة ))
يقول: أبو حيان التوحيدي، في كتابة الإمتاع والمؤانسة، تحقيق: أحمد أمين وأحمد الزين( بيروت: مكتبة الحياة، دون تاريخ )، 2/134ما نصه (( والنثر كالحرة، والنظم كالأمة، والأمة قد تكون أحسن وجهاً، وأدمث شمائل، وأحلى حركات ؛ إلا أنها لا توصف بكرم جوهر الحرة ولا بشرف عِرْقها وعتق نفسها وفضل حيائها )) بل وبين ذل الشعر وعز الكتابة عند ابن سنان الخفاجي الذي قال: (( إن الحاجة إلى صناعة الكتابة ماسة، والانتفاع بها في الأغراض ظاهر، والشعر فضل يستغنى عنه ولا تقود ضرورة إليه، وأن منزلة الشاعر إذا زادت وتسامت لم ينل منها قدراً عالياً ولا ذكراً جميلاً، والكاتب ينال بالكتابة الوزارة فما دونها من رتب الرياسة، وصناعة تبلغ بها إلى درجة الرفعة أشرف من صناعة لا توصل صاحبها إلى ذلك، وإن أكثر النظم إذا كشف وجد لا يعبر عن جد، ولا يترجم عن حق، وإنما الحذق فيه الإفراط في الكذب، والغلو في المبالغة، وأكثر النثر شرح أمور متيقنة وأحــوال مشاهدة، وما كثر فيه الجد والتحقيق أفضل مما كثر فيه المحال والتقريب )) -
الحاجظ يرى أن فضيلة الشعر فضيلة للعرب، ولا ينكر فضل الكتابة، بل يمضي إلى تأكيد فضلها (( أن الكتب أبلغ في تقييد المآثر، من البنيان والشعر))