تقنية الحشرات العقيمة
تعتبر تقنية الحشرات العقيمة أول طريقة لمكافحة الحشرات تستند إلى علم المورثات. ويمكن أن توصف بكل بساطة على أنها شكل من أشكال تحديد النسل الحشري المنفذ على مستوى المناطق.وتتضمن التقنية إكثار كميات هائلة من الحشرات المستهدفة في:مصنع، وتعقيم ذكورها عبر تعريضها لجرعات بسيطة من الإشعاعات.ومن ثم تطلق الحشرات العقيمة جواً فوق المناطق الموبوءة حيث تتلاقح مع الإناث البرية. وإذا ما فاق عدد الذكور العقيمة بشكل ساحق، الذكور البرية الخصبة فإن أسراب الذباب البري تنقرض بسرعة. وينبغي أن تكون نسبة الحشرات العقيمة إلى الحشرات الخصبة1:10على الأقل علماً بأن هذه النسبة وصلت في زنجبار إلى1:50 0
وقد استخدمت تقنية الحشرات العقيمة قبلاً لاستئصال الدودة الحلزونية للعالم الجديد في شمال افريقيا في مطلع التسعينات. فقبل عام1988 كان تفشي الدودة المذكورة مقصوراً على المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية في الأمريكيتين، وشكّل وصولها إلى الجماهيرية العربية الليبية خطراً على بقية أنحاء القارة الافريقية، وآسيا، والشرق الأدنى، وجنوب أوربا. وقد أبيدت الدودة أيضاً في أمريكا الشمالية والمكسيك، وتبذل الجهود الآن لاجتثاثها من كل أرجاء أمريكا الوسطى0
بفضل تقنية الحشرة العقيمة وحدها طهّرت المكسيك من الذبابة القاتلة
وخلال حملة الاستئصال التي قادتها المنظمة واستغرقت عاماً كاملاً ألقيت صناديق من الورق المقوى المليئة بالذكور العقيمة من الطائرات فوق رقعة شاسعة تبلغ مساحتها نحو40000 كم2. وفي ذروة العملية وصل عدد الحشرات العقيمة التي أطلقت إلى40 مليون حشرة أسبوعياً. ونُقلت هذه الحشرات جواً في طائرة خاصة جرى استئجارها من المصدر الوحيد المتاح في المكسيك. وكان عدد الحالات المؤكدة للدودة الحلزونية في ليبيا قد بلغ زهاء3000 حالة في سبتمبر/أيلول1990، غير أنه بحلول مارس/آذار1991 لم تظهر أية حالات جديدة0
كما قدمت المنظمة والوكالة الدولية للطاقة الذرية المساعدة إلى شيلي والمكسيك في استئصال ذبابة فاكهة البحر الأبيض المتوسط باستعمال تقنية الحشرات العقيمة، مما كفل التغلب على العقبات التي كانت تقف في وجه تصدير الفاكهة من هذين البلدين إلى الأسواق المجزية في الولايات المتحدة واليابان. كما تقوم هاتان المنظمتان حالياً بمد يد العون إلى السلطات الوطنية لوقاية النباتات في الأرجنتين وغواتيمالا إلى جانب عدة بلدان في الشرق الأدنى بغية إبادة الآفة المذكورة أو خلق مناطق خالية تماماً منها0
استئصال ذبابة التسي تسي في جزيرة زنجبار
أحرزت حملة بدأت منذ أربع سنوات انتصاراً تاريخياً في المعركة الدائرة لمكافحة ذبابة التسي تسي، وهي الآفة الحشرية التي تلحق خسائر تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات كل عام وتجبر المزارعين والرعاة على النزوح من مساحات شاسعة في القارة الافريقية0
فبالاعتماد على تقنية الحشرات العقيمة نجحت هذه الحملة في تخليص الجزيرة تماماً من الذبابة الناقلة لمرض التريبانوزوما الطفيلي الذي يصيب الأبقار. وكان المرض المذكور يعد أخطر وباء يهدد الثروة الحيوانية في زنجبار. وتنقل ذبابة التسي تسي أيضاً مرض النوم القاتل الذي يهاجم البشر.ويتفشى اثنان وعشرون نوعاً من الذبابة هذه على امتداد10 ملايين كيلومتر مربع في36 بلداً من بلدان إقليم افريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتقدر قيمة الخسائر المباشرة الناجمة عن مرض التريبانوزوما البقري في افريقيا بما هو بين600 مليون دولار و1.2 مليار دولار سنوياً0
واستُخدمت تقنية الحشرات العقيمة في زنجبار في الحملة التي تعاون فيها القسم المشترك بين المنظمة ووكالة الطاقة الذرية مع الحكومة التنزانية. وشكلت الحملة التي بدأت عام1994 المرحلة الأخيرة في معركة دائرة منذ عشر سنوات لاستئصال ذبابة التسي تسي في زنجبار.وقد غدت التقنية المذكورة مجدية بفضل أنشطة المكافحة التي قامت بها المنظمة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والتي تمكنت عبر استخدام الأساليب التقليدية، مثل رش الأبقار بالمبيدات، من خفض أعداد الذبابة إلى مستويات تكفل الفرصة اللازمة لنجاح التقنية المذكورة0
وفي إطار الحملة نُقلت تكنولوجيا وأساليب إكثار ذبابة التسي تسي التي طورت في مخبر التكنولوجيا الحيوية والزراعية التابع للمنظمة ووكالة الطاقة الذرية، والقائم في مدينة سيبرزدورف النمساوية، إلى معهد بحوث ذبابة التسي تسي والتريبانوزوما في مدينة تانغا في تنزانيا. ويضم هذا المعهد أضخم مرفق متخصص في مكافحة الذبابة المذكورة على الصعيد العالمي، ويمتلك مجموعة هائلة من إناث التسي تسي يقدر عددها بنحو مليون حشرة تنتج في المتوسط زهاء70000 ذكر عقيم أسبوعياً. وقد جرى إطلاق نحو8000000 من الذكور العقيمة خلال حملة الاستئصال0
وفي نهاية عام1997 أكدت مجموعة من الخبراء المستقلين أنه لم يتم اقتناص حشرة برية واحدة منذ سبتمبر/أيلول عام1996 بالمناطق التي كانت موبوءة بشدة في زنجبار. وبالإضافة إلى رصد وجود الذبابة، التي يصعب العثور عليها لضآلة حجمها، يجري بانتظام استخلاص عينات من دماء الأبقار في المناطق السابقة لانتشار الوباء للتحقق من سلامتها من وباء التريبانوزوما. وفي حال عدم اكتشاف أي إصابات بالمرض على مدى فترة طويلة فإن ذلك سيؤكد أنه أمكن اجتثاث ذبابة التسي تسي بالفعل0
ومن العسير على الذبابة المذكورة قطع المسافة الفاصلة بين الساحل التنزاني وجزيرة زنجبار، والبالغة نحو50 كيلومتراً، حتى مع هبوب رياح مواتية. وهكذا فإن الجزيرة ستظل بمنجاة من الذبابة إذا ما اتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان عدم تسللها ثانية ضمن الشحنات الواردة من بر تنزانيا0
ويقول الدكتور أودو فيلدمان، الخبير لدى القسم المشترك بين المنظمة ووكالة الطاقة الذرية:لقد كانت زنجبار موقعاً مثالياً لاختبار جدوى دمج تقنية الحشرات العقيمة مع الأساليب التقليدية في نهج يغطي منطقة شاسعة. ويشير فيلدمان إلى أن:وجود نوع واحد فحسب من ذبابة التسي تسي، هو غلوسينا أوستنيا، في الجزيرة، والموقع المعزول للبلاد، قد بشّرا بتحقيق نتائج طيبة. كما أن الإنتاج المحلي وذا التكاليف الزهيدة للحشرات العقيمة كان من العوامل المساهمة أيضاً في نجاح العملية حتى الآن0