نخادع أنفسنا كثيراً خاصة حينما نخاتل القراء والمجتمع بجهودنا الشخصية والعامة والتي لا تعدو أن تكون ممارسة للميول ونلصقها بظهر "الخدمة للإسلام" إن كل ما ينهض بالأمة من سباتها ويوقظها نحو تحكيم عقلها في التعامل مع قضاياها وتحدياتها يعتبر من مقومات النهوض, وحينما فاجأتنا الصحافة قبل أيام بابتداء مهرجان "إنشادي" في منطقة القصيم وفي بريدة يقوم عليه جملة من شباب يظهر على أشكالهم سيماء الحماس والصلاح عادت إلينا هذه المآزق "مأزق الشخصنة والأسلمة", وفي هذا السياق فما من شك في "حل" الإنشاد شرعاً يدل عليه الأصل الإباحي ودائرة العفو أو البراءة الأصلية وانعدام الأدلة المحرمة, فهو من اللهو المباح بل والمهم في حياة المرء أن يكون جزءاً منه في اللهو وسماع الأصوات الحسنة, ولكن: حينما ننظر إلى "المهرجانات الإنشادية" في سياق ربطها في الإسلام, فأعتقد أنه لا ارتباط بين الإنشاد ونهوض الأمة ذلك أن الإنشاد جهد صوتي ترويحي ليس إلا, وحينما ننظر إليه بإنصاف في دوره في تنشيط النهضة, تتبدى لنا نتائجه العكسية التي تتفوق على نتائج السماعات الأخرى, إذ يتمخض عن سماعه, الوهج الحماسي الذي يصرع الشبان الصغار إبان سماعهم لمن "يتمنى" أن يمسك ببارودته بيده, أو أن يقتل كل من أمامه من الكفار, حيث تقتطف القصائد التي تقضي باحترام الذمي والمعاهد وعدم قتل الكافر لكفره كما هو قول الجمهور, وخالف الشافعي فرأى أن الكافر يقتل لكفره, وعليه: فإن الربط للإنشاد بنهضة الأمة مخالفة للحقائق, خاصة حينما نعلم أن القصائد المنتخبة هي قصائد حماسية تعبوية تأجيجية, وعليه: فإن هذه الوسائل التي تريد أن تنهض بالأمة عبر وسائل حالمة وخيالية مخالفة بل ومناقضة للواقع ما هي إلا محاولات يقوم بها صبية, أحسنوا النية, وعليه: فإن ما أتمناه هو أن توضع المهرجانات الإنشادية في حيزها العادي من غير تضخيم أو ربط لها بالدين والنهضة, وأن تكون إحدى الفعاليات الترويحية والترويجية, وأن نفصح عن أهدافنا إبانها فنقول هذا المهرجان الإنشادي الأول الذي يقوم عليه فلان, رغبة في الاتجار والتكسب, من غير تطويع للدين في سبيل التجارة والتكسب, وإن الدين أقسى ما يصاب بمثل هذا السحب العشوائي للمشروعات باسم الدين, ومحاولة "أسلمة" كل شيء حتى ينصاع العقل الاجتماعي بأيديولوجيته التقليدية نحو الشعارات والمزايدات, وفي نظري أن كلمة الإسلام أصبحت تستخدم لكثير من الأمور كالمهرجانات والمأكولات والعمليات التجارية والمفكرين الذين لم يجدوا أتباعاً... إلخ. فأصبح الانتزاع للدين في سبيل الحقوق الشخصية, أو ما يعرف بشخصنة القضايا الأممية للإسلام وأسلمة القضايا الشخصية.
أخوكم المحب أبو أسامة
جريدة الوطن http://www.alwatan.com.sa/daily/2003-07-28/readers.htm