يحلم الشاب كثيرا بالزواج .. يفكر فيه ليلا ونهارا .. يود أن يصبح له وطنا صغيرا يأويه بعيدا عن متاعب الوطن الكبير .. يريد وطنا صغيرا يجد فيه راحته.. ومتعته .. وأنسه .. وسعادته ..
ولتحقيق هذا الحلم .. يسافر من مكان لآخر بحثا عن عمل .. يكابد مرارة الحياة وكدرها .. يسافر جوا إن أوسر .. وبرا إن أعسر .. يجمع ريالا فوق آخر .. ينام ليلة في فندق , وفي شقة مفروشة ليلة أخرى , وضيفا خجولا على الناس في ليلة ثالثة , ورابعة يقضيها على كراسي استراحة الانتظار في المطار , وأخرى نائما في أتوبيسات النقل الجماعي على الطرقات , ترفعه لحظة وتحطه أخرى .. ينام لحيظات ويصحو مثلها ... مصاعب تتلوها مصاعب .. ومشاق تتلوها متاعب .. كل ذلك ليعف نفسه ويبني له وطنا يعيش فيه آمنا مطمئنا, يعوضه ما لقيه من عناء ومشقة ..
ولي وطن آليت ألا أبيعه .. ولا أرى غيري له الدهر مالكا
وقد ألفته النفس حتى كأنه .. لها جسد إن بان غودر هالكا
حلم عزيز مناله ... يظل يفكر فيه ليله ونهاره ..
يفكر في تلك الزوجة التي إن نظر إليها سرته .. وإن أقسم عليها برته .. وإن غاب عنها حفظته ..
يفكر في تلك الزوجة التي ستعرف له فضله وقدره .. ( لو أمرت أحدا بالسجود لغير الله لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها ) .. يسرح به الخيال بعيدا .. يراها وهي تعامله كملك في مملكته .. تستقبله هاشة باشة .. تُعود أطفالها حفظ مكانته .. وتربيهم على حبه , وتقديره , وحفظ وده , واحترام رغبته .. تطيعه راضية مختارة مسرورة .. ( إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت ) ..
يفكر في تلك الزوجة وكأنها وردة زُرعت في منزله .. وردة يتنفس صفاء نسيمها .. ويشم عبير أريجها .. كيف لا تكون وردة في جمالها ورائحتها وقد وصفها الله بأنها تحب الزينة والتزين منذ صغرها ... ( أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) ..
يفكر في أسرة سعيدة يضمها منزل واحد .. أطفاله سعداء حوله .. زوجته تمنحه من الراحة والاستقرار ما يعينه على مواجهة ضغوط الحياة خارج المنزل .. تجلو بودها مرارةَ زمانٍ كثر فيه الألم , وأيامٍ كثر شرها واحتدم ..
يفكر في تلك الزوجة وأمها توصيها : إنك خرجت من العش الذي فيه درجت .. فصرتِ إلى فراش لم تعرفيه .. وقرين لم تألفيه .. فكوني له أرضا يكن لك سماء .. وكوني له مهادا يكن لك عمادا .. وكوني له أمة يكن لك عبدا .. واحفظي أنفه .. وسمعه .. وعينه .. فلا يشم إلا طيبا, ولا يسمع إلا حسنا , ولا يرى إلا جميلا ..
ظل يحلم .. ويفكر ... ويفكر ..
كيف لا يحلم بكل ذلك .. والدنيا متاع , وخير متاعها المرأة الصالحة .. سيسعى لتحقيقه حتى وإن ثقُل كاهله بالديون .. حتى وإن اقترض أو استلف .. حتى وإن تعب وتعب وتعب .. إنه حلم يستحق كل ذلك ... وقبل هذا هو طاعة لخالقه ..
.........
وتحقق الحلم فماذا حدث بعد ذلك ...
كم هو البون شاسع بين : الأهداف والنتائج
كم هو البون شاسع بين : الآمـال والآلام
كان عند الشاب حلما جميلا
فأصبـح واقـعـا مـريــرا
..........
امرأة .. يعود زوجها من العمل متعبا يريد طعامه فيجدها نائمة .. أو ينتظر ساعة أخرى ليحظى بطعامه ..
امرأة .. لا تتزين إلا عند الخروج ..
امرأة .. إن قدِم أهل زوجها هاجت وماجت , وقبضت وعبست .. وإن جاء أهلها , تسابق الريح خفة , والغزال رشاقة , والورد طيبا .. وحاتم كرما ..
امرأة .. يخبرها زوجها مبكرا بموعد زيارة أو مناسبة .. فينتظر ساعات أخرى لتكمل زينتها للتهيؤ للخروج ؟؟
امرأة .. تعلم بعسر زوجها .. وقلة ذات اليد .. فتكلفه مالا يطيق , لتتجمل أمام صويحباتها .. حتى انه قد يستلف من اجل السياحة تحت دعوى ( كل الناس يصيفون إلا نحن ) ..
امرأة .. إن دعاها زوجها للفراش حملت إليه هموم الدنيا .. وانهالت الطلبات تباعا في تلك اللحظات ...
امرأة .. تكثر اللعن وتكفر العشير ...
امرأة .. يعلم أهلها كل صغيرة وكبيرة تدور في منزل زوجها ..
امرأة .. حنانة منانة ..
امرأة .. حديثها مع زوجها طلبات .. ومع صديقاتها قهقهات ..
........
يا الله .. يا الله .. ما أقسى أن تتوقع أمرا فيأتيك خلافه ..
أيطلق زوجته .......... أيتحطم ذلك الحلم الجميل ..
وإن تم الطلاق .. فمن أين سيتزوج تارة أخرى , وقد خسر كل ما يملك , بل هو مطالب بسداد أقساط كثيرة سينوء بها كاهلة عدة سنوات قادمة...
آآه ما أقسى الحياة مع امرأة جاهلة ...
أيرضى بجحيمها :: أم يطلقها ليعود من جديد تحت وطأة متاعب الحياة ..
يا أيها الناس
إن أكثر بيوت المسلمين لا تزال قائمة بسبب تحمل الزوج أعباء الزوجة وأخطائها , لكن ذلك لا يظهر للعيان , لطبيعة كرم الرجل وصبره وحياءه , حتى إن سأله الناس قال : بخير وفي أحسن حال .. ما أكرم مثل هذا الرجل .. ما أجدر امرأة زوجها كهذا أن تحمله في عينيها وتحمله في قلبها... لكن الناس هذه الأيام لا تناقش إلا حالات فردية من صلف بعض الرجال .. ورعونتهم .. وقسوتهم .. وكل ذلك لا يقارن بتخبط النساء , مما تسبب في معاناة آلآف الرجال خلف أسوار دورهم , وأبواب بيوتهم , سترا وحشمة منهم لأنفسهم وأهلهم وأقاربهم .. ارتفع صوت النساء مصحوبا بدمع عينٍ , فوجدن من رفع به لحنا , مُغنيا بآهاتِ ظلمٍ , متغافلا عن آهات و دموع قلوب الرجال التي يتم إخفاءها نبلا وكرما وحياء ...
يا أيها الناس .. يا أيتها النساء : انصفوا الرجال .. فكم من مآسٍ وأسرارٍ خلف الأبواب حملتها قلوب الرجال أسى وحسـرة... وكتمتها رجولتهم كرما وتجملا وحياء ..