.
.
بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
كُلُّ مَركَبٍ مُقَدَّرٌ لَهُ أنْ يُغَادِرَ مَرسَاهـُ !!
***
الحَيَاةُ أمواجٌ مُتَلاطِمَة ، وَأيَّامُهَا سَاعَاتُ حَربٍ وَجِهَادٌ وَمَيدَانُ قُوَّةٍ وَشَجَاعَة ، الحَيَاةُ بَحْرٌ لا أمَانَ فيهِ ، وَطَريقٌ لا يُرى نِهَايتَهُ ، سِوى فَجأَةً تَجِدُكَ تَصطَدِمُ مَا كَانَ سَرَابٌ وَلم تُبَاليْ بهِ .
كُلٌّ لَهُ مَركَبٌ في هَذهـِ الحَيَاة ، وَكُلُّ مَركَبٌ مُقَدَّرٌ لَهُ أنْ يُغَادِرَ يومَاً مَرسَاهـ ، وَطُوبَى لِمَنْ غَادَرَ وَقدَْ رَفعَ عَلى أشرِعَتِهِ خَيرٌ وَكَلامُ حَقٍّ لِتَبقَى آثَارَاً لَهُ يَذْكُرُهَا مَنْ مَرَّ بِهَا عَلى مَرسَاهـُ .
عَلى شَاطِئ الحَيَاةِ في كُلٍّ يَومٍ يُولَدُ لَنَا يَومٌ جَديدْ ، لَكِنْ كُلَّ يَومٍ يُولَدُ لَنَا يُقَرِّبُنَا مِنْ نِهَايِتِهَا ، الدُّنيَا غَدَّارَةٌ مَكَّارَة ، وَلَهوهَا فِتنَةٌ وَشَهوتُهَا قَاتِلَة ، الحَيَاةُ جَمِيلَةٌ لِمَنْ صَنعَ فيهَا للهِ طَاعَة ، وَلَمَّ فيَهَا شَتَاتَهُ ، وَعَاشَ فيهَا كَغَريبٍ خَلَّفَ وَرَاءَهـُ دُنيَاهـُ وَأهلَهُ وَمَالَه ، أو فَقيرٍ يَتوارى عَنْ الأنظَارِ ليَستَتِرَ مِنْ حَالهُ ، أو طِفْلاً رَضيَعاً لا يَحمِلُ بِقَلبِهِ مَا يَسوءهـُ تَملَئُهُ البَرَاءَة .
لَمْ يَكُنْ جَمَالُ الحَيَاةِ أبدَاً ، مَعَصيَةً يُحَاربُ بِهَا اللهُ جَلَّ جَلالَه ، أو سُنَّةً تُهجَرُ وَزَلَّةُ عَالِمٍ تُتَّبَعُ مِنْ أجلِ رُخصَة ، الحَيَاةُ بَحرٌ غَرَّنَا بِمدَاهـُ وَبُعدَهـْ ، لَكِنَّهُ أخَفَى عَنَّا عُمقَهُ وَأضرَارَهـُ ، فَلمْ يُبدي لَنَا مِنْهُ سِوى مَا يَسْحَرنَا وَيُلهِينَا عَمَّا يُخبِّئُهُ .
إنَّ الإنسَانَ يَعيشُ في هَذهـِ الحَيَاة لا مِنْ أجلِ نَفْسِهِ وَلا طَوعَاً لِشَهوتِهِ وَهوَاهـ ، بَلْ هَدفٌ سَاميٌّ وَطَلبَاً لِغَايَةً ثَمينَة ، ولَمْ يَكُنِ العُمرُ أبدَاً سِوى بَاقَةُ وُرودٍ ، إنْ لَمْ تَذبُلُ اليوَمَ ففي الغَدِ سَتجِدُهَا ذَابِلَة .
مَعْشَرَ الأحِبَّة ، حَانَ وَقتُ رَفعِ الأشْرِعَة ، وَيَقودَ كُلٌّ مِنَّا مَركَبَه ، فَلنْ يَنجوا أحَدَاً سِوى بِعَملِهِ وَنَفسِهِ ، والدُّنيَا وَإنْ كَانَتْ جَميلَةٌ مَغرورَةٌ سَاحِرَة ، فَإنََّهَا بِقَلبِ مُؤمِنٍ غَمزَةُ عَينٍ للنَّفسِ هَالِكَة .
الأخِلاءُ أعدَاءُ سِوى مَنْ بِالتَّقوى ارتَقى ، وَالنَّفوسُ طَمَّاعَةٌ لِهَواهَا عَاشِقَة ، والنَّارُ لَهَا زَفرَاتٌ وَلَها وَعدٌ بأنْهَا بالنَّاسِ مَملوءَة ، والجَنَّةُ سِلَعةُ اللهِ الغَاليَة ، سُررٌ مُتَقَابِلَة ، وَنُفوسُ أهلِهَا طَيبِّة ، فَمَنْ مِنَّا مَنْ شَمَّرَ لِيَفوزَ وَيحَيى حَيَاةً طَيِّبَةً خَالِدَة ، وَمَنْ مِنَّا ألهَتْهُ دُنيَاهـُ وَأخَذتْهُ بَعيدَاً وَكَأنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَيَاةٌ دَنيئَةٌ زَائِفَة .
لَستُ سِوى عَبْدٌ فَقيرٌ يَبحَثُ عَمَّا يَستُرُ عَورَته وَذُنوبِهِ ، وَلَهيبُ نَارِ الدُّنيَا وَشَهواتِهَا أحرَقَتْه ، وَدُموعُ عَينِهِ أغْرَقتْه ، يَرجوا مِنْ اللهِ رحمَتَهُ وَيَخشَى عَذاَبَه ، طَفحَ مَركَبَهُ في بَحرِ ذُنوبِهِ ، وَبعَثرَتِ الدُّنيَا بِمَلامِحِ وَجهِهِ ، تَركَ وَتركَهُ مَنْ صَاحَبَهُ ، صَاحِبْ مَنْ تَشَاء فَإنَّكَ مُفَارِقُهُ ، وَالمُلتَقى بِإذنِ اللهِ بالجَنَّةِ ، بِجوارِ مُحمَّد وَصَحبَهْ .
لَنْ يَشقَى قَلبٌ مَا دَامَ أنَّهُ يَعيشُ بَينَ يَدي اللهِ وَقُربَه ُ ، وَلا سَعادَةَ لِمَنْ ابتَعَدَ عَنْهُ وَلو تَعاَلتْ ضَحَكاتهْ !!
الدُّنيَا زَائِلَة ، والآخِرَةُ مُقبِلَة ، والأنفُسُ مُقَصِّرَة ، وَرحمَةُ اللهِ وَاسِعَة ، عَسى اللهُ أنْ يُكرمَنَا وَإيَّاكُم والمُسلمينَ بِانْ يُقَال لَنَا ادْخُلوا مَغفُورَاً لَكم .
أسال اللهَ العَظيمَ أنْ يَغفِرَ لنَا وَلَكم ، وَيَعِزَّ الإسلامَ والمُسلمينْ ، وَيفُكَّ أسرَاناَ وأسرى المَأسورينْ ، وَأنْ يُقَيِّضْ لولاةَ أُمورِنَا مَنْ يُعينُهم على الخَيرِ وَيَدُلُّهم عليهِ ، وَيُعِزَّنَا وَإيَّاهم بِتَطبيقِ شَرعِهِ ، وَأنْ يفُرِّجَ هَمَّ المَهمومينَ ، وَيُحقَّق لكُلٍّ مِنّا مَاتَمنَّاهـ وَرَجَاهـُ .
***
اللَّهم أخرِجنَا مِنْ هَذهـِ الدُّنيَا سَالمينْ ، وَلاتَقبِضنَا إليْكَ إلا وَأنتَ رَاضٍ عَنَّا
أخيرَاً .. فَمَا كَانَ مِنْ صَوابٍ فَمِنْ اللهِ وَمَا كَانَ مِنْ خَطَأ فَمِنْ نَفسي وَالشَّيطَان
عُذرَاً .. فَعُذرَاً .. ثُمَّ عُذرَاً عَلى الإطَالةِ وَرَكَاكَةِ الأسلوبِ
دُمتم بِحِفظِ الرَّحمنِ وَرِعَايَتِهِ
.
.