بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الناس احذروا هذا الباص المعجزة !!
فعلا باص معجزة وربما الصحيح أن نقول أنها كرامة عجيبة ,, ولكنها كرامة من نوع آخر ,, كرامة حدثت بسبب الحاجة والاظطرار وقلة ذات اليد,,
أو قل بسبب الغفلة وعدم المبالاة ,, أو قل بسبب التخبط والعشوائية ,, إنها ليست لإنسان أو حيوان بل لجماد لا روح فيه (إلا مكينته وقيره)
ولو نطق لقال كفى كفى هذا حرام ,, هذا الباص المسكين مخصص لخمس وعشرين راكب ولكنه يحمل يومياَ سبعين راكباّ
أرأيت الكرامة العظيمة أرأيت الخارقة العجيبة !!
كيف ذلك ؟ أين ذلك ؟ كيف يركبون ؟ مانوع هؤلاء الركاب الأجلاف الغلاظ ؟ منذ متى وهم كذلك ؟ من المسؤول عن ذلك ؟ .........؟؟؟ رفقاً رفقاً بي
سأجيبك عن ذلك باختصار مخل حتى لا أطيل عليك , ولكن أشترط عليك قبل ذلك أن تقول ماشاء الله تبارك الله على هذا الباص السحري !!
كيف ذلك ؟؟ نصيحتي لك أن لا تستغرب شيئاً في هذا الزمن العجيب فهو زمن العجائب !!
أين ذلك ؟؟ خمّن هل هو في مقديشو بسبب الهرب من الحرب ؟ القاهرة بسبب الزحام ؟ دلهي بسبب الفقر ؟ .............؟
لا أريد أن أطيل عليك أو أرفع ضغطك أو ( أحرق رزك) ولكني أيضاً لاأريد أن أكدّر صفوك أو أزعج مشاعرك
لأن ذلك حدث في بلدي وبلدك وطني ووطنك بل في مدينتي العزيزة على قلبي بريدة الغالية العامرة..
أما كيف يركبون؟ فهذا السؤال لايحتاج إلى محاسب أو مهندس بل بكل بساطة خمس وأربعين وقوف وخمس وعشرون قعود...
المسألة سهلة وغير معقدة!!
مانوع هؤلاء الركاب الأجلاف الغلاظ ؟ إنهم للأسف وبكل أسى أحد الضعفين الذين أوصى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم ( المرأة واليتيم)
إنهم طالبات في المرحلة المتوسطة , يحضرون كل يوم لطلب العلم والنهل من معين المعرفة , يحضرن بهذا الباص البائس
وبهذا العدد الكم الهائل ,فيصلن بعد جهد جهيد ومشقة بالغة , وفي نهاية الدوام القاسي وبعد ساعات طوال داخل أروقة المدرسة
يحين موعد الإنصراف ويقترب موعد الرحلة المجهولة أو قل المغامرة المخيفة, فسرعان ماتحجز المقاعد القليلة , ويبقى العدد الكبير
وقوف بين المقاعد وفي الممرات , بل البعض منهن ملاصقة للبوابة , وربما تعسر غلق الباب لأن يداً أو رجلاً ليس لها مكان في الباص
المسكين, ثم تبدأ رحلة العذاب في الطرق وداخل الأحياء , تصور سبعين نفساً ضعيفة تحشر كالبهائم ,, وقوف في جو حار , وروائح مختلفة
وأنفاس حارة , اختناق وهلع .. خوف وجزع , صرخة أو شهقة عند كل وقوف أو انحراف بل ربما إغماء ودواخ , بل ربما البعض منهن
في وقت ضعفها وعادتها وآلامها ,, تصور أن هذا الباص يخدم أحياء كثيفة ( السادة - ابن صبيح - حي السلام - التوفيق - الشفا - ...)
وحينما تصل المسكينة إلى بيت أهلها بعد هذه الرحلة الطويلة , تحاول جاهدة أن تخرج من بين أمواج الزحام حتى تصل إلى الباب
فلا تستطيع الخروج حتى ينزلن مجموعة من الطالبات ليفسحن لها طريق الخروج , وعندما تدخل بيت أهلها تسقط صريعة في فراشها
ساعات طوال في ملابسها وربطتها وجزمتها لاتستطيع خلعها من الإعياء والتعب...
منذ متى وهم كذلك ؟ ربما لاتصدق لو قلت لك قرابة السنتين لكن هذه هي الحقيقة المرة .. وإن أردت التأكد فسأل أولياء أولياء
هؤلاء الطالبات , أو اتصل على المدرسة أو احضر بنفسك إلى المتوسطة الأولى لتحفيظ القرآن بحي النقع في بريدة
وراقب المأساة وشاهد الفاجعة..
من المسؤول عن ذلك ؟ أهي مديرة المدرسة ؟ أهم أولياء الأمور ؟ أهي إدارة تعليم البنات ؟
أما مديرة المدسة ومساعدتها بذلتا جهدهما ووسعهما , ولكن إدارة التعليم هي الآمر الناهي وهي أعلم بالمصلحة فيما يرون
( ماأريكم إلا ماأرى ) أما أولياء الأمور فالكثير منهم مقصّر , وأما البعض فلم يألوا جهداً في مراجعة إدارة التعليم ,
وكنت أحد هؤلاء , فالكل اتفق على خطورة الوضع وشناعة الموقف , حاول البعض أن يُدخل اليأس في نفسي قائلاً: ستخرج
منهم بخفي حنين .. وستسمع: نحن ( أبخص) منك .. تركت المثبطين ولم أستمع لهم , وانطلقت ميمماً نحو إدارة تعليم البنات
متفائلاً ومؤملاً حلاًّ فورياً وعلاجاً جذرياً , مكثت هناك قرابة الساعتين سمعت فيها أجوبة غريبة .. أحدهم: هذا الكلام غير صحيح
ثم يسأل ماهي المدرسة وأين موقعها , آخر : لاتصدق الناس ولاتصدق مديرة المدرسة وربما انت مخطىء..
آخر: حينما تصلنا الشكوى سندرس الأمر , راجعنا فيما بعد ( وربما تنتهي الدراسة مع نهاية الدراسة) !!
آخر: ياأخي انقل بنتك بسيارتك الخاصة !!
خرجت منكّس الرأس مفلساً حزيناً محبطاً قانطاً , أشتكي إلى الله فهو نعم الملاذ والمشتكى ..
أيها العالم !! هل فعلاً خلت الدنيا من أهل الخير .. هل خلت من أهل التقوى والنخوة والنجدة , ماذا ننتظر أن تحدث المصيبة؟
ماذا لو حصل حادث ( لاقدر الله عليّ وعليكم إلا كل خير ) كم من نفس سوف تزهق ؟ وكم من بيت سوف يصاب ويتألم ؟
وكم من زهرة يانعة مشرقة سوف نفقد ؟ بأي ذنب يقتل ويهمل هؤلاء الزينة والمتاع ؟
عند حصول المكروه (حفظنا الله جميعاً ) سيصرح مسؤول الإدارة بعد ذلك وهو يظهر التألم والحزن بأن هذا قضاء الله وقدره
أو بسبب صراخ البنات الغير مؤدبات , أو بسبب أحد الشباب المتهورين , أو بسبب أحد الحيوانات المسيبة ,,
وعليكم بالصبر والله يجزي الصابرين , وتذكروا مصاب غيركم ,,
نعم أيها المسؤول كل شيء بقضاء وقدر , ولكن أين اعقلها وتوكل؟ أين اعملوا فكل ميسر ؟ أترمي الضحية في البحر وتهددها
إياك إياك أن تبتلّ بالماء ؟ في أي قانون في الدنيا يُسمح لباص مخصص لخمس وعشرين مقعداً أن يحمل سبعين نفساً ضعيفة
بريئة !! أليست هذه جريمة ووحشية ؟ أين كرامة الآدمي أين كرامة المسلم وحقه ؟ أين حق الضعيف ؟ أين الرحمة والرأفة ؟
ألم يصرف ولاة الأمر الأموال الطائلة في سبيل رقي التعليم في بلادنا , ومن أجل تطويره ومواكبته , ومن أجل راحة الطلاب
وأمنهم , ومن أجل تعليمهم وغرس ولائهم لبلدهم ..
لماذا تقتل فرحتهم مع شروق الشمس وهم ذاهبون إلى مدارسهم وأحضانهم التربوية بسبب الخوف والقلق , ثم تقتل مرة أخرى
وهم عائدون إلى بيوتهم وأعشاشهم ..
أيها الإدارة !! من المسؤول والملام ؟ أين الخلل ؟ لماذا تتكرر الأخطاء ؟ أين المتابعة والتنظيم والخطط ؟
هل ستتكرر مصائب وفواجع سابقة ؟ هل سياحسب المسؤول والمقصر ؟
الجواب علمه عند الله تعالى ,, ولكن لنكن متفائلين ..
العرض العادي
