[align=center]
لا أزال مندمل الصدر جريح القلب , والحب لبلدي في جسدي لم يكن كما حب الآخرين , إنني أشفق عليه من غلبة أهل البادية على أهل الحاضرة , لقد ساقوا بلدي إلى تلك المسماة بـ ( مزاين الإبل ) , وأنشأوا لها ذلك المشفى الذي يجعلها غاية أهل بلدي , فويل لبلدي حين لا ينصرف إلى ما انصرف إليه العالمون , وويل له حين لم يعرف أن يحتضن أهل البادية حين كانوا أكثر من أهل المدن عددًا .
وأيم الله ؛ لو اختل الأمن قُلامة ظِفر , لرأينا بعضنا يأكل بعضًا , فلم تكن المزاين إلا دعاية مسعورة للعصبية القبلية بلا منازع , فكم من شبان راحوا يفتنون غيرهم , وكم من كبار ارتأوا ينشدون الفخر ولا فخر , فكان أن تداعت الأسباب حين فقدت من يمحوها , فأنّى لتوطين البادية من فائدة ترجى إبان قيام الدولة على يد مؤسسها ؟ وأين تعليمهم وما أحدث بهم من تعليم وفقه ؟ !
لقد غاص العامة في تلك المزاين , فتبعهم المثقفون ومن حملة الشهادات الأكاديمية , وكانت الكثرة التي غلبت الشجاعة , فكانت المصيبة أعظم , فما بال بلادي تسير نحو الهاوية ؟ وما بالها تحتقن من دواخل الصدور ؟ حتى إذا اشتد الاحتقان فإنني أتوخى الانفجار المدوي في كل شارع من شوارع بلادي , إنها الحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر .
كنت أقول : لقد زالت العصبية , والدولة متجهة إلى التقدم حين تذيب تلك النعرات الجاهلية ؛ لكننا نعود أدراجنا إلى ما حسبناه قد اضمحل ورحل , فإذا هو ماثل بين أيدينا لا يستطيع فكاكًا , فحدِّث عن تلك العواقب المبيدة حين بدت إرهاصاتها بلا حرج .
ذهبت الأموال الطائلة في تلك المزاين , وأقارب أصحابها في النسب جوعى , إذ قد لا يجدون ما يأكلون خلف خيامهم وبين رمالهم المتحركة , فلهم الله حين كانت العصبية تدعوهم إلى حتفهم من حيث يدرون ولا يدرون .
محبكم قرطبة ، ، ،
[/align]