بسم الله الرحمن الرحيم
إذا ما هي السعادة ؟!
كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، فطوبى للغرباء
ليست السعادة قصر عبد الملك بن مروان، و لا جيوش هارون الرشيد ، و لا دور ابن جصاص، و لا كنوز قارون، و لا كتاب الفاء لابن سينا، و لا في ديوان المتنبي، و لا في حدائق قرطبة أو بساتين الزهراء.
السعادة عند الصحابة مع قلة ذا اليد، و شطف المعيشة، و زهاده ألموار
وشح النفقة.
السعادة عند ابن المسيب في تألهه، و عند البخاري في صححيه، و عند الحسن البصري في صدقه، و مع الشافعي في استنباطه، و مالك في مراقبته ، و أحمد في روعه، و ثابت ألبناني في عبادته { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ و لا نصب و لا مخمصة في سبيل الله و لا يطؤن موطئا يغيظ الكفار و لا ينالون من عدو نيلا ، إلا كتب لهم به عمل صالح}
ليست السعادة شيكا يصرف، و لا دابة تشترى، و لا وردة تشم، و لا برا يكال و لا بزا ينشر
السعادة سلوه خاطر بحر يحمله، وانشراح صدر لمبدأ يعيشه و راحة القلب لخير يكنفه
كنا نظن إننا إذا أكثرنا من التوسع في الدور، و كثرة الأشياء، و جمع المسهلات، و المرغبات و المشتهيات ، إننا نسعد و نفرح و نمرح و نسر فإذا هي سبب الهم و الكدر و التنغيص، لأن كل شيء بهمه و غمه و ضريبه كده و كدحه { و لا تمدن عيناك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه}
إليه يصعد الكلام الطيب
كان للصحابة كنوز من كلمات المباركات الطيبات، التي علمهم إياه صفوة الخلق صلى الله عليه و سلم و كل كلمة عند احدهم خير من الدنيا و ما فيها، و من عظمتهم معرفتهم بقية الأشياء و المقادير الأمور
أبو بكر يسال الرسول صلى الله عليه و سلم ان يعلمه دعاء ، فقال له : قل : رب إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، و لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفلي مغفرة من عندك و ارحمني ، انك أنت الغفور الرحيم .
و يقول صلى الله عليه و سلم للعباس : اسأل الله العفو و العافية
و يقول لعلي : قل : اللهم أهدني و سددني.
و يقول لعبيد بن حصين : قل : اللهم ألهمني رشدي و قني شر نفسي
و يقول لشداد بن أوس قل : اللهم إني أسالك الثبات في الأمر و العزيمة على الرشد، و شكر نعمتك، و حسن عبادتك، و أسالك من خير ما تعلم، و اعوذ بك من شر ما نعلم وأستغفرك لما تعلم، انك علام الغيوب
و يقول لمعاذ : قل : اللهم اعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك
و يقول لعائشة قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني
إن الجامع لهذه الأدعية سؤال رضوان الله عز و جل و رحمته في الآخرة و النجاة من غضبه، و اليم عقابه و العون على عبادته سبحانه و تعالى و شكره
و أن الرابط بينهما : طلب ما عند الله و الإعراض عما في الدنيا انه ليس فيها طلب أموال الدنيا الفانية و أعراضها الزائلة، أو زخرفها الرخيص
من كتاب لا تحزن
لشيخنا عائض القرني