# عبد الله الخليفة .. قصيمي في أمريكا:
قصة هذا الرجل من أشهر القصص التي يتداولها أبناء العقيلات وغيرهم ، سمعتها من عدد من الرواة ، وسطرها الأستاذ صالح السليمان العمري (رحمة الله)
- والأستاذ إبراهيم المسلم .. وهي من القصص الواقعية الثابتة ، وإن كانت بعض تفاصيلها الفرعية الدقيقة تختلف من راوي الى آخر.
يروي البعض أن هذا الرجل (عبد الله الخليفة) هو أول سعود يصل إلى الولايات المتحدة، ويروي آخرون أنه أول عقيلي و أول رجل من منطقة القصيم يصل إلى الولاياتالمتحدة الأمريكية ، لكن الذي يترجح لي أن محمد الرواف قد سبقه للذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية إذ إن الرحالة والضابط الإنجليزي شكسبير المقتول في معركة جراب سنة 1333هـ يشير إلى أنه التقى عام 1332هـ 1914م بمحمد الرواف، ويذكر أن الرواف كان يتكلم الإنجليزية بلهجة أمريكية، ويفيدنا أنه قد أشتغل مسؤولا عن الجمال العربية في معرض شيكاغو قبل 15 سنه مضت. أي أن محمد الرواف كان في شيكاغو سنة 1899م بينما وصل عبدالله الخليفة نيويورك عام1903م.. وربما يكون هناك من يسبقهما إلى الولايات المتحدة، ولكن المعلومات المتوفرة لدي الآن لا تؤيد هذا الاحتمال.
وُلد عبدالله الخليفة العبدالله السعيدان - وهذا اسمه الكامل- ونشأ في مدينة بريدة أواخر القرن الثالث عشر الهجري. وكان والده من العقيلات المقيمين في سوريا للعمل والتجارة، لم يرَ والده إلى نادراً، لذالك كان يتطلع إلى سماع أخباره، ويخرج كلما سمع بمجيء قوافل العقيلات إلى بريدة لاستقبالهم.
وذات يوم كان أحد القادمين جار لهم وصديق لوالده هو ابو الفهد عبدالرحمن بن إبراهيم الرشود، فأخبره أن والده يبلغه السلام وأنه متشوق لرؤيته.. منذ سمع عبدالله الخليفة هذه الكلمات والرغبة في الرحلة مع العقيلات تداعب مخيلته، كان في بدابةشبابه، أخبر والدته فشجعته، ولم يأت خريف 1317هـ إلا وهو في قوافل العقيلات متنقلاً بين سوريا وفلسطين ومصر. عمل بداية أجيراً مع أحد زعماء العقيلات وهو عيسى الرميح(رحمه الله)ثم لدى آخرين من زعماء العقيلات أمثال : محمد الرواف،وعبدالله الحليسي وعلي الفايز.ثم اشتغل في تجارة الإبل مع علي المطلق، لكن تجارتهما باءت بالخسارة، ولحقت عبدالله الخليفة ديون كثيرة، وكان ملزم بسدادها.
سافر في صيف 1321هـ إلى الإسكندرية في مصر، وعمل حمالاً في الميناء، وخلال هناك قابل مجموعة من البحارة السوريين وكون صادقة معهم فعرضو عليه السفر معهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية للبحث عن فرصة عمل أفضل وبعد موافقة قبطان السفينة رافقهم في تلك الرحلة التي استمرت شهريم حتى وصلت ميناء نيويورك، وبدأت رحلته مع العمل في نيويورك منذ اليوم الثاني لوصوله. فعمل في البداية في تحميل البضائع نظير أجر مقداره ثلاث دولارات أسبوعياً.. أعجب مديره بحرصه على العمل، ودقته في المواعيد، ورغبة منه في مساعدته دله على تاجر ملابس، فتعرف عليه، وبدأيعمل في تجارة الملابس واستمر في هذه عدة سنوات، تعلم خلالها اللغة الإنجليزية، وتعرف على المهاجرين العرب والمسلمين، وكانو يقيمون شعائرهم الدينية داخل بيوتهم.
استطاع عبدالله الخليفة خلال سنواته الثماني التي أقامها في نيويورك أن يجمع ثروة لا بأس بها، وكان يرسل في البداية ماجمعه من مال إلى صديقه حمود المطلق ليقوم بتسديد ديونه حتى وفى دينه.
عاوده الحنين إلى وطنه، واكتفى بما جمعه من مال، فودع أصدقاءه وأبحر عائداً إلى الشرق. وصل مصر عام 1329هـ وفي المطرية التقى بأحد أصدقائه وزعماء العقيلات وغيرهم :فوزان السابق وصالح الحليسي وجلوي الفهد الصقعبي و حمود المطلق. وحكى لهم قصته في نيويورك. حاز على إعجابهم لأمانته ووفائه وتفانيه في العمل.
ومن القاهرة ذهب إلى السويس ومنها ركب ناقته عائداً إلى مدينته بريدة، ورآها بعد أن غادرها قبل 13سنه.
وكانت تغريبته ورحلته حديث المجالس وشغلهم الشاغل. كان رحالتنا الوفي قد اكتسب معرفة وخبرة في التجارته ففتح في بريدة محلاً لبيع الأقمشة،فراجت تجارته واتسع رزقه.ومع اتساع تجارته قام باسفر للهند لاستراد البضاعة من هناك،والتقى بأصدقائه من التجار الهنود الذين تعرف عليهم في نيويورك.
يقول الأستاذ إبراهيم المسلم عنه
وعاد -من الهند- محملاً بالبضائعن وزدهرت تجارته، وفي شمالي مدينة بريدة اشترى أرضاًأقام عليها مسكناً كان مقصداً ضيف من القرى المجاورة لشراء البضائع منه. وقد ساعدته هذه السمعة الطيبة التي اكتسبها بأن أصبح وكيلاً للكثير من التجار في الكويت و الهند والمدينة المنورة ومكة المكرمة. وبهذه السمعة نال ثقة الحكومة السعودية واعتمدته وكيلاً عنها لتخزين مواد الوقود من البنزين والزيت للسياراتالتي بدأت تنتشر، وهي في طريقها من الرياض إلى حائل أو الى مكة المكرمة والمدينة المنورة، واستمرت هذه الوكالة حتى توفاه الله-رحمه الله رحمةً واسعه- فلقد كان مثالأً للرجل الكريم المكافح، استطاع بثقته وإيمانه بالله أن يحافظ على عاداته والتقاليد رغم الاختلاف الكبير، والمغريات في تلك البلاد مغامراً بنفسه في سبيل وفائه لدينه.
هذه أبرز المعلومات التي يرويها أبناء العقيلات عن هذا الرجل، لكن شكسبير الذي التقى بعبدالله الخليفة في مدينة بريدة عام 1332هـ /1914م، وتحدث عنه في رحلته، يضيف لنا معلومات جديدة فقد لا حظ شكسبير أن عبدالله الخليفة يتحدث الإنجليزية بلهجة أمريكية، واستغرب من ذالك واستفسر منه، فعرف أنه كان قد عاش في نيويورك، وعمل سائق أجرةلمدة ست سنوات قبل رجوعه إلى بريدة.
وبهذه الإضافة من شكسبير يتبين لنا أن عبدالله الخليفة قد عمل سائق سيارة أجرة إضافة إلى عمله كبائع وتاجرأقمشة.
وللفائدة فإن الضابط الإنجليزي شكسبير هذا هو أهلا من جاء إلى جزيرة العرب.
* إبن بسام في مجلس ابن رشيد:
أسرة البسام من الأسر العريقة، أنجبت العديد من العلماء والوجهاء والأثرياء والشعراء، وكان من رجالات نجد البارزين في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري محمد العبدالله البسام الذي عرف_رحمه الله_با لكرم الحاتمي,والعقل الراجح,وكان من أغنياءنجد البارزين,وكانت له مكانة مرموقة لدى الأمراء والحكام0
في احدى سفراته مر بمدينة حائل,وذهب للسلام على الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد(ت1315هـ)-رحمه الله-وكان أبن رشيد محبا" له فأخذ يمازحه ويلاطفه فقال له:يا محمد أنت تدور حكم في كرمك وعطاياك؟
فرد ابن باسم قائلاً:ياطويل العمر,الحكم يبي أهله,وأنا رجل تاجر أدور المكسب,وإذا ربحت تجارتي العشر عشرين نجود من فضله على الناس0
ولابن بسام هذا سيرة رائعة جدير ة بالكتابة في بحث مستقبل,وبودي لو ذكرت بعضها لكن المجال لايتسمع0ويكفي أن أشير إلى أنه أول من أسس شركة نقل بين المواصل وأنقرة, كما أفادني بذلك أستاذي الدكتور عبدالله العثيمين0
*صاحب الكمر مع التاجر الشامي:
الكمر هو الحزام الجلدي العريض الذي توضع فيه النفود,وقصة صاحب الكمر وهو أحد العقيلات يرويها لنا الشيخ عبدالعزيز المسند نقلاً عن والده,كما يرويها آخرون0ومختصرها أن أحد العقيلات تعامل مع أحد تجار الشام(دمشق)يأخذ منه كمر النفود ويذهب إلى فلسطين وفيشتري بضائع ويبيعها في مصر أو نجد ثم يعود,ويعطي للتاجر المال مع ربحه وله نصيبه من الربح0وظل على عمله مع هذا التاجر عدة سنوات0وفي إحدى المرات أخذ العقيلي كمراً مليئاً بالنقود من التاجر الشامي كعادته,لكنه في هذه المرة لم يعد,وأفتقده التاجر,وسأل عنه جماعته فلم يعررفوا له خبراً0فقال في نفسه:لابدأنه حدث له شيء,لكن لم يمت لأنه لو مات لجاء خبر موته0وأرسل هذا التاجر مندوباً له إلى بيت هذا الرجل,وفعلاً ذهب المندوب وسأل عنه في بيته مراراً,فأخبرته زوجته أنه مسافر0
يئس التاجر من عودة العقيلي فقرر الذهاب بنفسه إلى بيته, وطرق الباب سائلاً عنه، فأجابت الزوجة بأنه مسافر، فقال لها أنا فلان افتحي الباب، والما فتحت له دخلٍ غرف المنزل يتفقدها واحة واحدة حتى وجده مختبئاًفي إحداها ويبدو عليه الإعياء و المرض من طول المكث.
فركلهى برجله وقال : لماذا فعلت بنفسك ما أرى ؟ لكنه لم يُحر جواباً ولم تطاوعه الحروف، ثم أخذه التاجر معه إلى الديار (هي صحن البيت باللهجة الشامية) وقال له أخبرني ما الذي دهاك ولا تخف؟؟؟
فجعل يقص خبره بكلمات متمتماً بصوت متهدج قائلاً : عندما خرجت من عندك آخر مرة وفي بطني الكمر بألف جنيه مررت على حمام الصالحية لأغتسل، ووضعت الكمر على رف داخل الحمام، ولما انتهيت لبست ثوبي وخرجت ونسيت الكمر، وبعد دقائق عدت فلم أجده. فبقيت في منزلي أفكر و أقول في نفسي ماذا أقول لو ادعيت أنه ضاع أو سُرق فمن يصدقني؟
فقال له التاجر : لم يمضَ ساعة بعد خروجك في ذالك اليوم حتى وقف علي رجل لا أعرفه وناولني الكمر لم يفتقد منه جنيهاً واحداً فأعطيته جائزته عشرة جنهات، واحتسبت عليك خمساًمنها كنت أنتظرك تعود بعده مباشرة.. يافلان المال الحلال لا يضيع،ولو كنا في شك منكم يا عقيل لما أعطيناكم حلالنا.
وعاد العقيلي إلى ممارسة عمله مع التاجر الشامي.