[align=center]
عزائي كبير لا يوصف لأهالي القصيم , عشقوا اللون الأسمر رغمًا عنهم , ويخيل إليَّ أن احتفاءهم بمهرجان التمور ناشئ عن هذا اللون الذي يشيع في التمور وفي وجوههم وأجسادهم , فالمناظر كلها سمار في سمار , لقد حرموا الألوان المستحبة الأخرى , وبات اللون الأسمر يطاردهم كما يطارد أولادهم الذين في الأجنة ولم يخرجوا للحياة بعدُ .
لست أدري كيف يـتزاوجون ؟ ولست أدري كيف يُنجبون ؟ إنهم في غياب تام عن نُشدان الألوان الجميلة , بل نراهم يسخرون ممن يعمل عملية تجميل للون بشرته , فهم ساخرون منه , بينما الحق أن يسخروا من أنفسهم لو علموا .
تلك الوجوه الكاحلة لم يسبق أن زارها الجمال ولو لمامًا , وإنما مال ونأى بجانبه عنها , وراح يغذُّ السير إلى شمال الجزيرة العربية , حيث الأجواء العليلة , والأنفس المولعة بتقبل الجمال والاعتداد به , وحيث تقدير قيمته , وسبر أسراره والاحتفاء فيه .
تلك السُّمرة أكسبتهم غبشًا في التطلع إلى التزاوج من غيرهم , وحجبتهم عن تهجين نسلهم , إذ نراهم لا يعتدون إلا بسمرتهم , ولا يرضون بغيرها بديلاً , فخرجت لنا الأجيال كما كانت عليه ألوان آبائهم , فصاروا صورًا طبق الأصل لتلك الوجوه السمراء المتشققة بلهيب الشمس المحرقة .
في العقد الأخير نلحظ انكبابًا منهم على تلك المبيضات والدهونات المرطبة للبشرة , فبعد أن كانوا لا يعرفون إلا الوازلين و ( الودتس ) , أصبحوا متفنـنين في شراء تلك المبيضات , ولو قمت بإحصائية عن مدى نجاح تلك التجارة , لخرجت بمعدلات ضخمة مهولة , فلا مقارنة بينها وبين استهلاكهم للمواد الغذائية , فهي تأتي في المرتبة الأولى , فلن أتحدث على مداومة الشباب على صالونات الحلاقة التي تعتني بتبيـيض البشرة , أما الفتيات , فحدث عن ارتيادهن وتزاحمهن على المشاغل النسائية ولا حرج .
سيبقى السمار فيهم ما بقي الليل والنهار , وسيكون جينًا وراثيـًّا ينتقل إلى الأجيال اللاحقة , فهو بدٌّ مما ليس منه بدٌّ فيهم . . . إنهم لا يريدونه , لكنهم يعشقون تلك الأبيات الشعرية التي تمدحه , فتارة يعشقونه , وتارة يهربون منه , فعزائي عزاء ما له حصر .[/align]