عرض مشاركة واحدة
قديم 24-08-10, 03:23 pm   رقم المشاركة : 29
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الرابعة عشرة : الإحسان للوالدين.

قال تعالى : {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ , وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ }
(152) سورة الأنعام
هذه الآية بداية الوصايا العشر التي بين الله لعباده فيها المحرمات والواجبات , وقد تكلم المفسرون على تفسير الآيات بما لا مزيد عليهم , ولكني أقف هنا وقفة يسيرة حول قوله تعالى :" وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " .
وحين نتأمل الآية كاملة نجد أنها اشتملت على عدة محرمات عظيمة جاء التعبير بالنهي عنها صراحة :
( لا تشركوا , ولا تقتلوا أولادكم , ولا تقربوا الفواحش , ولا تقتلوا النفس , ولا تقربوا مال اليتيم ) خمس نواهٍ متتالية لبيان هذه المحرمات التي أمر ربنا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلوها علينا , ولكن بين هذه النواهي انسَلَّتْ جملة عظيمة لا تفيد النهي , وإنما تفيد الأمر المؤكد , وهي قوله تعالى : " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " .
والمعنى والله أعلم : وأحْسِنُوا بالوالدين إحساناً , فالجار والمجرور ( بالوالدين ) متعلق بفعل محذوف دلّ عليه المصدر بعده , والتقدير : وأحسِنُوا , والمصدر ( إحسانا ) مفعول مطلق يفيد التوكيد .
فنلحظ أن هذه الجملة تفيد أمراً بين منهيات :
لا تشركوا > نهي
وبالوالدين إحسانا > أمر
ولا تقتلوا أولادكم > نهي
ولا تقربوا الفواحش > نهي
ولا تقتلوا النفس > نهي
ولا تقربوا مال اليتيم > نهي

السؤال المطروح هنا : ما الحكمة من وضع هذه الجملة هنا ؟ ولماذا جاءت بهذه الصيغة ؟ ولماذا أتت بعد النهي عن الشرك ؟
الجواب والله أعلم :
أن الجملة هذه وضعت هنا لبيان عظيم شأن الوالدين , وعظيم حقهما , وأن الله تعالى يحث على برهما والإحسان إليهما , واختلف التعبير من النهي إلى الأمر لِشَدّ الانتباه لشيء عظيم , كما قال تعالى :
{لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا}
(162) سورة النساء , فاختلف التعبير بلفظ : ( المقيمين الصلاة ) فجاء منصوباً بين مرفوعات لِشَدِّ الانتباه إلى هذه الشعيرة العظيمة .
وجاء التعبير بهذه الصيغة صيغة الأمر , ولم يأت بالنهي , فلم يقل : ولا تهينوا والديكم مثلاً , لبيان أن الأصل في الإنسان إكرام والديه , ولكن المطلوب هنا شيء أكثر من مجرد الإكرام والاحترام , المطلوب هنا هو درجة الإحسان التام , إلى درجة مراعاة الكلمة الصغيرة التي تؤذيهما , فلا تخرج من فيك أيها الولد كما قال تعالى :
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}
(23) سورة الإسراء .
وأتى الأمر بالإحسان إلى الوالدين بعد النهي عن الشرك , لبيان عظيم حق الوالدين , وأنه يأتي بعد حق الله تعالى , فالله تعالى هو المنعِمُ والمربي سبحانه , والوالدان لهما الفضل بعد الله تعالى بالإنعام عليك وتربيتك , فليس أحد أحق بالإحسان له وطاعته بعد الله تعالى من الوالدين .
وقد قرن الله تعالى حق الوالدين بحقه وتوحيده في أكثر من آية كما قال تعالى :
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } (83) سورة البقرة , وقال سبحانه : {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (36) سورة النساء , وقال تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (23) سورة الإسراء , وقال تعالى : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}
(14) سورة لقمان .
ونلحظ هنا إطلاق التعبير بالوالدين دون أي وصف آخر , فيكفي أن يكونا والديك لتحسنَ إليهما , من غير شرط لدينهما أو صلاحهما أو استقامتهما .

قد يقول قائل : أليس حق النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته مقدمة على حق الوالدين وطاعتهما ؟ فلماذا قرن الله حق الوالدين بحقه , ولم يقرن حق رسوله بحقه ؟

فالجواب :
أن حق الرسول صلى الله عليه وسلم داخل في حق الله تعالى , فقوله : " لا تشركوا به شيئاً " تعني التوحيد وإخلاص العبادة لله , وهذا التوحيد من أين سنأخذه ونعرفه ؟ إنما هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من الكتاب والحكمة , ولأن إرضاء الله تعالى وطاعته إرضاء لرسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة له كما قال تعالى : { وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} (62) سورة التوبة , وقرن الله طاعة رسوله بطاعة الله تعالى : {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } (80) سورة النساء .
والأدلة على ذلك كثيرة متظافرة .

والله تعالى أعلم , وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين .
14 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس