عرض مشاركة واحدة
قديم 18-08-11, 01:13 am   رقم المشاركة : 38
zα7мт мαšнα3я
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية zα7мт мαšнα3я





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : zα7мт мαšнα3я غير متواجد حالياً

نعمة الألم

الألم ليس مذموماً دائماً ولا مكروهاً أبداً ، فقد يكون خيراً للعبد أن يتألم
إن الدعاء الحار يأتي مع الألم ، والتسبيح الصادق يصاحب الألم ، وتألم الطالب زمن التحصيل وحمله لأعباء الطلب يثمر عالماً جهبذاً ، لأنه احترق في البداية فأشرق في النهاية وتألم الشاعر ومعاناته لما يقول تنتج أدباً مؤثراً خلاباً ، لأنه انقدح مع الألم من القلب والعصب والدم فهز المشاعر وحرك الأفئدة ومعاناة الكاتب تخرج نتاجاً حياً جذاباً يمور بالعبر والصور والذكريات .
إن الطالب الذي عاش حياة الدعة والراحة ولم تلذعه الأزمات ولم تكوه الملمات ، إن هذا الطالب يبقى كسولاً مترهلاً فاتراً .
وإن الشاعر الذي ما عرف الألم ولا ذاق المر ولا تجرع الغصص تبقى قصائده ركاماً من رخيص الحديث ، وكتلا ًمن زبد الفول ، لأن قصائده خرجت من لسانه ولم تخرج من وجدانه ، وتلفظ بها فمه ولم يعشها قلبه وجوانحه .
وأسمى من هذه الأمثلة وأرفع : حياة المؤمنين الأولين الذين عاشوا فجر الرسالة ومولد الملة ، وبداية البعث ، فإنهم أعظم إيمانهم ، وأبر قلوباً ، وأصدق لهجة ، وأعمق علماً ، لأنهم عاشوا الألم والمعاناة : ألم الجوع والفقر التشريد ، والأذى والطرد والإبعاد ، وفراق المألوفات ، وهجر المرغوبات ، وألم الجراح ، والقتل والتعذيب ، فكانوا بحق الصفوة الصافية ، والثلة المجتباة ، آيات في الطهر ، ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولاوأعلاماً في النبل ، ورموزاً في التضحية ، مخمصة في سبيل الله ولا يطؤن موطئاً يغيط الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين
وفي عالم الدنيا أناس قدموا أروع نتاجهم ، لأنهم تألموا ، فالمتنبي وعكته الحمى فأنشد رائعته :
وزائرتي كأن بها حياءً **** فليس تزور إلا في الظلام
والنابغة خوفه النعمان بن المنذر بالقتل ، فقدم للناس :
فإنك شمس والملوك كواكب **** إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وكثير أولئك الذين آثروا الحياة ، لأنهم تألموا .
إذن فلا تجزع من الألم ولا تخف من المعاناة ، فربما كانت قوة لك ومتاعاً إلى حين ، فإنك إن تعش مشبوب الفؤاد محروق الجوى ملذوع النفس أرق وأصفى من أن تعيش بارد المشاعر فاتر الهمة خامد ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين النفس ،
ذكرت بهذا شاعراً عاش المعاناة والأسى وألم الفراق ، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في قصيدة بديعة الحسن ، ذائعة الشهرة ، بعيدة عن التكلف والتزويق : إنه مالك بن الريب ، يرثي نفسه :
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى **** وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
فلله دري يوم أترك طائعا **** بني بأعلى الرقمتين وماليا
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا **** برابية إني مقيم لياليا
أقيما علي اليوم أو بعض ليلة **** ولا تعجلاني قد تبين ما بيا
و بأطراف الأسنة مضجعي **** وردا على عيني فضل ردائيا
ولا تحسداني بارك الله فيكما **** من الأرض ذات العرض أن توسع ليا
إلى آخر ذاك الصوت المتهدج ، والعويل الثاكل ، والصرخة المفجوعة التي ثارت حمماً من قلب هذا الشاعر المفجوع بنفسه المصاب في حياته .
إن الوعظ المحترق تصل كلماته إلى شغاف فعلم ما في قلوبهمالقلوب ، وتغوص في أعماق الروح ، لأنه يعيش الألم والمعاناة ، فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً
لا تعذل المشتاق في أشواقه **** حتى يكون حشاك في أحشائه
لقد رأيت دواوين لشعراء ولكنها باردة لا حياة فيها ولا روح ، لأنهم قالوها بلا عناء ، نظموها في رخاء ، فجاءت قطعاً من الثلج وكتلا من الطين
ورأيت مصنفات في الوعظ لا تهز في السمع شعرة ، ولا تحرك في المنصت ذرة ، يقولون بأفواههم ما ليس فيلأنهم يقولونها بلا حرقة ولا لوعة ولا ألم ولا معاناة قلوبهم
فإذا أردت أن تؤثر بكلامك أو بشعرك ، فاحترق به أنت قبل ، وتأثر به ،) وذقه وتفاعل معه، وسوف ترى أنك تؤثر في الناس
فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج)