عرض مشاركة واحدة
قديم 25-08-10, 07:07 pm   رقم المشاركة : 30
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الخامسة عشرة : حينما يكون التطهر مَثْلَباً ( قوم لوط أنموذجاً ) .
قال الله تعالى : {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(82) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}
(84) سورة الأعراف .
تتحدث الآيات عن قوم لوط وتكذيبهم لنبي الله تعالى لوطٍ عليه السلام , والقصة معروفة واردةٌ في كتاب الله في أكثر من موضع وأكثر من سياق .
وأقف هنا وقفة يسيرة مع قوله تعالى :
" أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ "
حكاية عن جواب قوم لوط لنبيهم الكريم .
فهؤلاء القوم لم يجدوا عيباً في هذا النبي الكريم وأهله إلا أنهم قوم يَتَطَهَّرُون ! يتطهرون بالارتفاع عن معاشرة الرجل للرجل – عياذاً بالله - , ويتطهرون بانتهاج الفطرة السليمة بالزواج الشرعي الصحيح بين الرجل والمرأة .
فالطهارة واجتناب الخبائث في عُرْفِ هؤلاء القوم الذين انتكست فطرتهم من الأمور الموجبة للطرد من ديارهم , وإخراج كل من اتصف بها , لئلا يشوه قذارتهم بطهارته .
هؤلاء قوم اشتهروا بفعل الفاحشة الشاذة جهاراً نهاراً
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ }
(29) سورة العنكبوت .
وحينئذٍ فأولئك أمة احترفت النجس والقذر , ولم يعد لديهم طاقة بمصاحبة أهل الطهر والصيانة والعفاف !
أي أمةٍ هذه التي تستحق المسخ من الوجود ؟
أيُّ أمة تلك التي قلبت الأخلاق عاليها سافلها ؟
فجاء عقابهم الشديد بمثل ما أفرزته أخلاقهم الخبيثة
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ}
(82) سورة هود .
وكلُّ الأمم على مر التاريخ لا تقيم للطهارة والنقاء وزنا لا تستحق أن تكون أمة صالحة , فحينما تنتشر الفواحش بأنواعها من بِغَاءٍ وشُذوذ في مجتمعٍ ما فإنه ليس للصالحين والمتطهرين مكانٌ فيه , ذلكم أن الطهارة والنقاء لا تجتمع مع ضدها ونقيضها .
وحينما نتأمل ديننا الإسلامي الحنيف نجد أنه عني بجانب الطهارة والنقاء من جميع جوانبها , فطهارة النكاح , وطهارة العبادة , وطهارة الملبس , وطهارة المكان , وطهارة البدن , كلها معتبرة شرعاً .
فطهارة المنكح : أباح الله تعالى النكاح , وحرم السفاح , وحتى الوطء بين الزوجين لم يجعله الله تعالى إلا طاهراً نظيفاً : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}
(222) سورة البقرة .
وطهارة العبادة : شرع الله الطهارة والوضوء للصلاة ناصاً سبحانه على أنها طهارة عظيمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
(6) سورة المائدة .
وطهارة الملبس : يبينها قوله تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}
(31) سورة الأعراف .
وطهارة البدن يبينها قوله تعالى : " وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ "
.
وطهارة البقعة والمكان يبينها قوله تعالى : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}
(125) سورة البقرة .
والأدلة على هذا الموضوع أكثر من أن نحصرها في مثل هذا الموضوع المقتضب , فلله الحمد والمنة على الدين الحق الذي جاء بالطهر والنقاء , وحرم كل ما يلوث هذه المنقبة الإسلامية العظيمة التي سار عليها الأنبياء المكرمون عليهم السلام .

مواقف لغوية حول آيات لوط السابقة :

قوله تعالى : ( ولوطاً ) : مفعول به لفعلٍ محذوف تقديره : وأرسلنا لوطاً .
قوله : ( أتأتونَ ) استفهام داخل على فعلٍ مضارع , والتعبير هنا بالفعل المضارع دال على التجدد والاستمرار بالعمل القبيح , فهم يأتون الرجال مكررين عملهم ومستمرين عليه .
قوله : ( ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين ) : هذه الجملة دلت بأسلوبها على أن عمل قوم لوط لم يحصل في تاريخ الإنسانية جمعاء قبل هؤلاء القوم الأنجاس , فكلمة : ( أحد ) نكرة تفيد العموم بلفظها , وتفيد العموم بدخول ( مِنْ ) عليها , وتفيد العموم لأنها نكرة في سياق النفي .ثم جاء العموم الآخر بختام الآية ( من العالمين ) , وليس بعد هذا العموم والتأكيد شيء .
قوله : ( مسرفون ) اسم فاعل ناسب ما قبله , لأنه لما قال : ( ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين ) ناسَبَ أن يصفهم بالإسراف وتعدي الحدّ , لأن من يعمل عملاً سيئاً لم يُسبق إليه يكون عادة بسبب السَّرَف الذي يصيبه إلى أن يتجاوز المحدود والمعقول .
وأيُّ مجاوزة للمحدود والمعقول أعظم مما يفعله قوم لوط ؟ إذن فهو الإسْرَاف بعينه .
ونلحظ هنا أيضاً أنه قال ( مسرفون ) فعبر بالاسم , ولم يقل : تسرفون كما قال : تأتون ؟ والعلة في ذلك والله أعلم أن الإسرَافَ – غالباً - طبعٌ في النفس لا يتغير , والاسم يدل على الثبات دائماً .
قوله : ( وما كان جواب قومه إلا أن .. ) أسلوب تعجبي كريم لبيان أن ردهم لكلام لوط عليه السلام أمر عجيب , فهؤلاء قومٌ بلغت فيهم الخسة والقذارة مبلغاً أنهم لم يجدوا جواباً جميلاً مقنعاً يجيبون به هذا النبي الكريم إلا أن أمروا بإخراجه وأهله ؟؟
وقد تكرر هذا الأسلوب في القرآن الكريم أربع مرات , ثلاث منها في قصة لوط وقومه :
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (56) سورة النمل , {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } (29) سورة العنكبوت , وموضعٌ واحد في قصة إبراهيم وقومه {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
(24) سورة العنكبوت .
وهي أجوبة ظاهرة لكل متأمل أنها تدل على خسة في الطباع , وعدم مقارعة الحجة بالحجة , فيأتي التعجب القرآن بأن هؤلاء لم يجدوا جواباً إلا هذا ؟! .
قوله : يتطهرون : جاء التعبير بالمضارع هنا لبيان التجدد والاستمرار في الحدث وهو التطهر , مضاداً لنجاستهم السابقة ( تأتون الرجال ) .
قوله : ( أهله ) يطلق الأهل ويراد بهم الزوجة كما قال تعالى : {
قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
(25) سورة يوسف .
ويطلق ويراد بهم ذوو الرجل وأبناؤهم وعشيرته كما في هذه الآية وآيات كثيرة .
وقوله : ( الغابرين ) الغابر : من الأضداد يطلق على الماضي : غبر الشيء إذا مضى , ويطلق على الباقي , يقال : غبرتُ في المكان أي أقمت فيه , والغابرين هنا : الباقين [ الأضداد لابن الأنباري : 129 ] .
قوله ( مطراً ) المطر في القرآن لم يرد إلا في العذاب , وهو كثير , وقد أشار إلى ذلك الجاحظ في كتابه البيان والتبيين : 1 / 20 , والتنكير هنا ( مطراً ) لعله يراد به التهويل والتخويف , بأنه مطر عظيم شديد البأس .
قوله : فانظر كيف .... هنا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يقرأ القرآن بالنظر في مصير هؤلاء القوم , إما بالنظر المعنوي , وهو نظر الاعتبار والتفكر , وإما النظر الحسي في قرية سدوم غربي الأردن في مكانها المعروف حالياً .
وانتهت الآيات بلفظ ( المجرمين ) الدال على أنهم اتصفوا بهذا الوصف الشنيع , فكذبوا رسول الله , واستمروا على فعل الفاحشة المنكرة ( إتيان الرجال ) , وحاولوا طرد نبي الله تعالى عليه السلام , وأي إجرام أشد من هذا ؟ .

هذا ما لدي هنا والله أسأل أن يرزقنا فهمَ كتابِه العزيز , والتأمل في آياته , والله أعلم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين .
15 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس