إنقاذ مستشفيات المملكة من 162 طبيباً وفنياً مزيفاً في 6 أشهر
إبراهيم القربي، هاني باحسن ـ جدة، نواف عافت ـ الرياض، عبد العزيز الربيعي ـ الطائف، خالد الشلاحي ـ المدينة المنورة، أحمد العطوي ـ تبوك عبد الكريم المربع ـ مكة المكرمة، هناء البنهاوي ـ القاهرة . . . جريدة عكاظ 23 / 4 / 2010
كشــفــت الهـيـئـــة السـعــوديـــــة للتخصصــــات الصحيـــــة عن ضبط 1200 شهــــادة مزورة، منــــذ إنشــــاء الهيئــــة، و 1700 أخــرى تـــم رفضـهــــا لاحتمالية تزويرها بدقة عالية . وأدرجت 15202 ممارس في قائمة الممنوعين من العمل في المجال الصحي في المملكة . ومنذ أيام أوقعت وحدة المتنوعات في شعبة التحريات والبحث الجنائي في جدة ، بوافد عربي تورط في إصدار شهادات دكتوراه وماجستير أكاديمية مزورة ، مستغلا معرفته ببرامج الحاسب الآلي ، والطلب المتزايد على الشهادات التي حدد سعرها بثمانية آلاف للماجستير وعشرة للدكتوراه . وقبل عامين طوت كلية التربية للبنات في الليث التابعة لجامعة أم القرى ، قيد ثلاث أكاديميات من جنسية عربية ، ظللن يعملن منذ عدة أعوام في تدريس عدد من التخصصات الحيوية في الكلية «الفيزياء والاقتصاد والإنجليزي» إثر اكتشاف شهاداتهن المزورة .
وفيما يعتمد بعض المزورين على الأختـام المشابهة لأختام الجامعات والكليات الصحية المعتمدة، وأختام الملحقيات التعليمية لبلدانهم وختمها والمصادقة عليها، ألقت مباحث الجيزة في القاهرة القبض على أحد المزورين مؤخرا، بعد أن جمع مبالغ طائلة من نسخ وتزوير وختم وبيع شهادات دكتوراه على سعوديين وخليجيين، مقابل مبلغ قد يصل 15 ألف جنيه مصري. ولم يعد تزوير الشهادات العلمية حكرا على الدول الأوروبية، وإنما دخل على الخط محترفون من الدول العربية والآسيوية، ومعظم هؤلاء يعملون في الخفاء على عكس ما يجري في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، التي أنشأ مزوروها معاهد وهمية ومواقع مشبوهة على شبكة الحسب الآلي «الإنترنت»، مستغلين رغبة الطلاب العرب عموما والخليجيين خصوصا، في الحصول على شهادات عليا من إحدى الجامعات الأمريكية أو الكندية المرموقة، من أجل الوجاهة الاجتماعية، سواء أكانت حقيقية أم وهمية أم فخرية، والعمل بهذه الشهادات برواتب مميزة .
أما وجه الاختلاف بين مزوري الغرب وأقرانهم في الدول العربية والآسيوية، فيتمثل في أن الغربيين يستخدمون أحدث التقنيات في التزوير، فيما يلجأ المزورون العرب والآسيويون إلى طرق بدائية تعتمد في الأساس على سرقة الأختام أو صور لها ومن ثم تقليدها، فضلا عن أن مزوري الدول العربية من أصحاب السوابق والفاشلين دراسيا، بينما الغربيين من المتعلمين ورجال الأعمال .
الأشعة والبصريات
بدوره يؤكد مدير العلاقات العامة في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية عبد الله الزهيان، أن أغلب التخصصات التي يحدث فيها تزوير هي التخصصات الفنية، كأخصائيي التمريض والأشعة والبصريات وغيرها من التخصصات، مؤكدا أن نسبة كبيرة من الشهادات المزورة ، تأتي من دول شرق آسيا .
اختبارات الكفاءة
مدير الرخص الطبية في الطائف أحمد مرداد الحارثي، أكد أن هيئة التخصصات الطبية تمكنت من خلال عمليات الاختبارات التي تجريها للكوادر الطبية واستخراج بطاقاتهم، من التقليل من تلك التجاوزات التي كانت تحدث سابقا .
وأضاف: استطاعت الهيئة بالتعاون مع الجامعات الخارجية، التأكد من شهادات وتخصصات الطبيب أو الطبيبة المتقدم للعمل في المملكة، مشيرا إلى أن هناك شهادات تعطى للطبيب أو الممارس الصحي تخوله للعمل في المستشفيات .
وهو ما أكده أيضا تركي المالكي مدير مركز طبي في الطائف ، من أن هناك أطباء من ذوي الخبرة والشهرة ولجنة متابعة دقيقة، لكيفية اختيار الأطباء والفنيين في مختلف التخصصات الطبية، وأن الاختبارات التي تجريها هيئة التخصصات الطبية للأطباء والفنيين وإصدار شهادات بحقهم، ساهمت كثيرا في الحد من التلاعب بالشهادات .
صحوة الضمير
الدكتور عمر اندجاني - المؤسس والمشرف العام على مشروع النهضة الأخلاقية «خلق»- علق من جانبه قائلا: بعض دول العالم المتقدمة يقاس مستوى تقدمها وتأخرها من خلال رفاهية المواطن، سواء طبيا أو خدميا، كل ذلك يشمل الاهتمام الإنساني بقيمة الإنسان الذي هو أساس تقدم كل أمة والرقي بها لأعلى المستويات ، أما بخصوص انتشار تزوير الشهادات وخاصة الطبية منها ، فقد أصبح هناك جهات اعتمادية كثيرة تمكن ضعاف النفوس من تزوير الشهادات مقابل عوائد مادية مجزية، وتصبح في متناول الجميع ممن يرغب في درجة علمية كالدكتوراه أو الاستشارية، بالإضافة إلى أن هناك جهات اعتمادية عالية الكفاءة ، وتلك لا تتجاوز الخطوط الحمراء وجهات اعتمادية منخفضة الكفاءة ، وجهات أخرى ليس لديها كفاءة أصلا، مشددا على أنه لا بد من وقفة صارمة حيال انتشار الشهادات المزورة في المملكة ، والاهتمام بالمعايير ومحاسبة الذين صرحوا لهم بالدخول إلى المملكة واستقدامهم ، خاصة الأطباء قبل محاسبة الطبيب المزيف الذي يتلاعب بأرواح الناس ، لأن المسألة في الأول والأخير لا يجوز فيها الغش والاستخفاف والعبث ، فيما ينبغي على كل شخص أن يحرص من موقع المسؤولية على استقطاب الكفاءات والتأكد من هوياتهم وشهاداتهم ، قبل فوات الأوان ، لأننا لو تداركنا الموقف منذ البداية ، فسوف نتحاشى كثيرا من الأخطاء الطبية التي يروح ضحيتها أبرياء .
ويعزو اندجاني أسباب الإقبال الكبير على الشهادات المزورة خاصة في التخصصات الطبية ، إلى عائدها المجزي ، فلو كان المهندس يحصل على ما يحصل عليه الطبيب لزور شهاداته أيضا ، ونحن لا ننكر وجود حالات تزوير في بعض التخصصات الأخرى ، ولكن الأغلبية للطب ، وهذه قمة المأساة كون الطب مهنة إنسانية في الدرجة الأولى ، فإن ضاعت الإنسانية ضاعت الأمة .
المتهم أول
مدير مركز النقاهة الطبي التابع لمستشفى الملك فهد العام في جدة الدكتور محمود أحمد الحاج، يشير بدوره إلى أن هناك جامعات ذات طابع ربحي بحت موجودة خارج المملكة، تمنح أصحاب شهادات الماجستير شهادة الدكتوراه دون صحوة ضمير، وللأسف بعض المستشفيات الخاصة لدينا والتي غالبا ما تكون في القرى الصغيرة والمترامية في أطراف المملكة تستقطب هذه الفئة من المتلاعبين بأرواح الناس، وتلك قمة المهانة للقيمة الإنسانية، ولكن في الآوانة الأخيرة أصبح هناك قوانين صارمة ومفعلة يتم من خلالها محاسبة المزورين للشهادات الطبية، مشيرا إلى أن غالبية الشهادات المزورة تكون في متناول الوافدين، مقارنة بمقابلها المادي بغرض تحقيق مصالحهم الخاصة على حساب أرواح الأبرياء .
وأضاف: لدينا هيئات متخصصة في استقطاب الأطباء ، ذلك أن مهنة الطب مثلها مثل أي مهنة أخرى ، تتطلب وجود شهادات من جامعات معتمدة مسبقا ولديها باع طويل في هذا المجال ، ولكي نتأكد من مرجع الطبيب ، لا بد من الاتصال بنفس المصدر ، بالإضافة لأهمية وجود الخبرة الكافية ، والتي لا تقل مدتها عن خمسة أعوام كحد أدنى ، ويكون لديه معلومات حديثة وحدثية ، من خلال متابعة الندوات والمحاضرات والدورات التي تقام باستمرار ، وهذه لا توجد بكثرة إلا في المدن الكبيرة ، بعكس ما هو موجود في القرى والمناطق البعيدة عن المتابعة الطبية الدورية .
وأضاف: هناك تواصل دائم بيننا وبين المستشفيات الخاصة ، خصوصا عند استقطاب طبيب جديد لأي مستشفى ، إذ يتوجب التأكد من جميع شهاداته وخبرته السابقة ، وحتى الاتصال بالملحقيات الثقافية في بلده أيضا ، وكل ذلك يصب في مصلحة المواطن وسمعة مهنة طالما وثق فيها الإنسان .