ما عسى الحضارة أن تقول عما تشهده بريدة اليوم , فمن مدينة جاهلة , قد استحالت إلى مدينة تهاجر بعض الأسر إليها , ويقصدها المتنفعون في هاتيك الاستعراضات في مهرجان الصيف الذي نعاصره ويعاصرنا !
كان الناس لا يعرفون من أمر الدين سوى الثلاثي الشهير , القرآن والصلاة والزكاة , وقد يجنحون إلى تحديث أنفسهم بالجهاد , واليوم خرجت الأصوات التي تطرب كما يطرب المطربون , فهل من تذوق الصوت الشجي يقدر على أن يستبدله بوقع أصوات المتفجرات وطلقات الرصاص تحت رايات الجهاد ؟ إن التطور قد غزى هذه المدينة التي كانت ترى المذياع مزمار الشيطان , وأن العجلة الهوائية حصان إبليس !
عزائي للعلماء الذين يحذرون من الميل إلى مخترعات الأمور , وينهون عن الأخذ بالملذات , في حين أنهم لا يقدرون على جلب البديل , فهم كما ذاك الرجل الذي راح يعظ الذئب في أن يكف عن الفتك بالأغنام , والذئب يقول له : اختصر يا أخي , فهناك قطيع أخشى من أن يفوتني ؟ !
يموت المتبحر في العلم اليوم وتترحم عليه الناس , ولو صدقوا لأسفوا على ركونه وخضوعه للحضارة الراهنة , فليس الدين عبادة فحسب , وإنما تطبيق ما عناه القرآن وعنته السنة , فما هاتيك الفتاوى بشافية غليل المظلومين أو المحرومين , وإنما تزيدهم ظلمًا وحرمانًا .
لا تستطيع بريده اليوم أن تعود إلى الوراء , وليست بمنجاة من السير في ركب الحضارة , وإن أعجب فعجبي من علماء لا يلتفتون إلى ما استجد من هذه الحضارة وما جاءت به , فهم يقفون عند حد تبيين الفتوى دون الوقوف بحزم ضد ظلم الناس وحرمان حقوقهم , فستكون بريدة طبقية وإقطاعية مثلها كما سائر المدن .
يتجه أهل بريدة اليوم بأطفالهم إلى ما يمتع أنظارهم , ويسلي عقولهم الرقيقة , فينشئون على ما اسطحبهم آباؤهم إليه , ولا نزال نفغر أفواهنا قائلين : شبابنا عماد الأمة . وما أدري كيف يكون هذا الجيل عمادًا حين تربى على التسلية والمتعة ؟ !